تتطور الأحداث الاقتصادية والسياسية بشكل متسارع هذه الأيام، بسبب القرارات الاقتصادية الحمائية العدوانية التي يتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومحاولة روسيا استعادة مكانتها “الأمنية والمخابراتية” حول العالم، إما عبر التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو محاولة اغتيال جاسوس روسى سابق.
في أجواء شبيهة بأيام الحرب الباردة أعلنت الولايات المتحدة إغلاق القنصلية الروسية في سياتل، وطرد 60 دبلوماسيا روسيا في إجراء اتخذت مثله حكومات في أنحاء أوروبا ضد الكرملين ردا على هجوم بغاز للأعصاب على جاسوس روسي سابق في بريطانيا جرى اتهام موسكو بتنفيذه.
وهذا هو أقوى إجراء اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد روسيا منذ توليه منصبه.
وغرد وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون على تويتر قائلا “رد الفعل الدولي الاستثنائي من قبل حلفائنا يمثل في التاريخ أكبر عملية طرد جماعي لضباط مخابرات روس على الإطلاق وهذا سيساعد في الدفاع عن أمننا المشترك”.
وأعلنت ألمانيا وفرنسا طرد دبلوماسيين روس وتبعتهما في تحرك منسق دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي فضلا عن كندا وأوكرانيا.
على الجانب الأخر وصفت وزارة الخارجية الروسية هذه الإجراءات بأنها “استفزازية” وتعهدت بالرد، بعد أن نفت ضلوع روسيا في الهجوم على الجاسوس سيرجي سكريبال وابنته في مدينة سالزبري بجنوب انجلترا في الرابع من مارس، واتهم الكرملين بريطانيا بشن حملة مناهضة لروسيا وسعى للتشكيك في اتهام بريطانيا لموسكو بالمسؤولية عن الهجوم على سكريبال. وتبادل البلدان بالفعل طرد 23 دبلوماسيا.
وتسميم سكريبال بغاز للأعصاب هو أول هجوم معروف بغاز أعصاب سام في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي إن 14 دولة في الاتحاد الأوروبي في المجمل قررت طرد دبلوماسيين روس، وحذر من إمكانية اتخاذ إجراءات أخرى في الأسابيع والشهور المقبلة.
وعثر على سكريبال (66 عاما) وابنته يوليا (33 عاما) فاقدي الوعي في مركز تجاري ولا يزالان في المستشفى في حالة حرجة.
ورحب وزير الدفاع البريطاني جافين وليامسون بالدعم الذي تلقته بريطانيا، وقال “صبر العالم على الرئيس بوتين وأفعاله ينفذ”.
على الجانب الاقتصادي تعرض الروبل الروسي لضغط أمس، مما أدى لارتفاع سعر صرف اليورو إلى 71.05 روبل مقارنة بـ 70.70 في وقت سابق، كما ارتفع سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الروبل، وسجلت سوق الأسهم الروسية تراجعا.
أما فيما يخص تأثيرات “عدوانية” ترامب السياسية والاقتصادية على العالم، فقد هبطت العملة الايرانية إلى أدنى مستوياتها أمس حيث تخطى سعر صرف الدولار 50 ألف ريال للمرة الأولى، نتيجة ضبابية الموقف الأميركي إزاء الجمهورية الإسلامية.
وخسر الريال نحو ربع قيمته خلال الأشهر الستة الأخيرة ليبلغ الدولار 50860 ريالاً بحسب سوق المعلومات المالية، وهو موقع الكتروني موثوق يتابع التقلبات في السوق المفتوحة.
واستمر اتساع الهوة مع سعر الصرف الرسمي الذي بلغ 37686 ريالاً أمس.
واتخذت الحكومة الايرانية تدابير صارمة الشهر الماضي لوقف تراجع قيمة العملة المحلية في السوق المفتوحة، حيث اعتقلت المتعاملين بالعملات الأجنبية وجمدت حسابات المضاربين ورفعت معدلات الفائدة فيما اشترت ملايين الدولارات سعياً الى الحد من ارتفاعه، إلا أن الريال استمر بالتراجع، كرد فعل على تعيين الرئيس دونالد ترامب مؤخرا شخصيتين متشددتين حيال إيران، هما وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون.
ويعتقد الكثير من المحللين أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه مع ايران عام 2015 عندما يأتي موعد تجديده في مايو، وهذا يعني اعادة فرض العقوبات التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الايراني.
وفي مواجهة التهديدات بفرض رسوم جمركية أميركية، دعت الصين الولايات المتحدة إلى “وقف الترهيب والهيمنة الاقتصادية”، مبدية في الوقت نفسه استعدادها للتفاوض من أجل تفادي حرب تجارية.
وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس الماضي تدابير عقابية على واردات صينية بقيمة ستين مليار دولار، في خطوة تزيد من مخاطر قيام نزاع تجاري خطير بين البلدين.
وتستهدف هذه الرسوم الجمركية قطاعات تتهم واشنطن فيها بكين منذ وقت طويل بالقيام بعمليات سرقة تكنولوجيا أميركية، وعلق نائب الرئيس الأميركي مايك بنس على الموضوع معلنا “انتهاء حقبة الاستسلام الاقتصادي”.
وعلقت متحدثة باسم الخارجية الصينية تدعى هوا شونيينج “كان يجدر القول إن الوقت حان لتوقف الولايات المتحدة عن الترهيب والهيمنة الاقتصادية”.
وردت الصين الجمعة بالكشف عن قائمة بـ128 منتجا أميركيا تعتزم فرض رسوم جمركية تتراوح بين 15 و25% عليها في حال فشل المفاوضات الثنائية الجارية حاليا، وبلغت قيمة الواردات الصينية من هذه المنتجات المستهدفة ثلاثة مليارات دولار العام الماضي.
وفي أوروبا أعلن معهد “إيفو” الألماني لأبحاث الاقتصاد تراجع توقعات التصدير الخاصة به للأوساط الصناعية خلال شهر مارس الجاري بنسبة 2 بالمئة لتصل إلى 12.8 بالمئة، وهو أقل مستوى للتوقعات منذ شهر يناير عام .2017
وبرر المعهد هذا التراجع بأن توقعات التصدير تراجعت في قطاع صناعة المعادن بسبب النقاش حول الرسوم الجمركية الأمريكية.
وتنفذ واشنطن رسوما عقابية على الألومنيوم والحديد منذ الجمعة، ولكن دول الاتحاد الأوروبي الـ28 وكذلك الأرجنتين وأستراليا وكندا والمكسيك، ليست متضررة للوقت الحالي، بسبب إعفاء أمريكي مستمر حتى الأول من مايو فحسب، حيث فتحت نافذة زمنية يمكن للاتحاد الأوروبي من خلالها إجراء تنازلات تجارية.
وقال رئيس البنك المركزي الألماني ينس فايدمان أن “الإعفاءات من الرسوم الأمريكية الجديدة المفروضة على المعادن لا يمكن أن ينظر لها على أنها فوز لنظام التجارة العالمي، نظرا لأن الرسوم العقابية مازالت قائمة على دول أخرى ليست قادرة على ضمان معاملة تمييزية ونظرا لأن الإعفاء الأوروبي ليس إلا مؤقت”.