تنتشر فى مجتمعنا منذ فترة أفكار ومفاهيم خاطئة حول السمنة، ولا أدرى مصدرها.. هل هى أفكار مصدرها الفتوى لغير المتخصصين أم معتقدات أم معلومات طبية قديمة عفى عليها الزمن واستقرت فى عقل ووجدان مجتمعنا.. أم معلومات يروّج لها المنتفعون؟
من أهم هذه الأفكار وأكثرها شيوعًا هو أن السمنة مرض سببه كثرة الأكل وأن الشخص الأكول هو شخص بدين أو فى طريقه لهذا المرض.. والحقيقة قد تكون صادمة بعض الشىء، لأن السمنة مرض يصيب الأشخاص الذين لا يأكلون غير وجبة واحدة يوميًّا، وأن السبب الحقيقى لمرض السمنة هو إبطاء معدلات الأيض (التمثيل الغذائى) فى جسم الإنسان، بسبب قلة عدد الوجبات التى يتناولها الإنسان فى أثناء النهار.. فكلما زاد عدد الوجبات النهارية زادت معدلات التمثيل الغذائى داخل الجسم.
الاعتقاد الخاطئ الثانى، هو أن استخدام الألبان الخالية الدسم يساعد الجسم على التخلصُّ من الدهون.. والحقيقة العلمية فى هذا المجال عكس هذه المعلومة تمامًا، لدرجة تثير الضحك.. إذ إن الألبان الخالية الدسم سريعة الامتصاص بسبب عدم احتوائها على الدهون، فيكون نتيجة امتصاصها السريع ارتفاع معدلات سكر الدم فجأة، مما يستلزم الجسم أن يفرز «أنسولين» بكميات كبيرة لتحوّل هذا السكر إلى دهون تختزن فى الأنسجة الدهنية فى الجسم، أما الألبان الكاملة الدسم وبسبب احتوائها على الدهون يتم تجبينها داخل المعدة وتأخذ فترة طويلة لهضمها، والأهم من ذلك أن امتصاصها يحدث تدريجيًّا، فلا يسبب ارتفاعًا فجائيًّا فى مستوى سكر الدم.
الاعتقاد الخاطئ الثالث وهو شائع جدًّا.. أن بعض أنواع الأعشاب والتوابل يسرع من عملية الأيض، والحقيقة هو أنه لا توجد مادة أو عشب أو دواء يسرع من عملية التمثيل الغذائى، لكن ما يحدث هو تسكين للألم النفسى الذى يعانيه مريض السمنة ومحاولة لإرضاء ضميره من أنه لا يتبع نظامًا غذائيًّا، فتكون النتيجة استهلاكًا عاليًا من هذه المواد ومزيدًا من عادات خاطئة، لأنه أصبح مُطمئنًا فتزداد الطينة بلة.
الاعتقاد الخاطئ الرابع، هو أن ممارسة الرياضة تحرق الدهون، فإذا أردت حرق دهون البطن عليك بتمارين البطن، وإذا أردت حرق دهون الأرداف عليك بتمارين الأرداف.. والحقيقة العلمية المؤكدة التى لا يستطيع أى طبيب إنكارها أن الدهون المخزنة تحت الجلد ليست لها أى علاقة تشريحية أو وظيفية بعضلات الجسم، إذ إن العضلات فى أثناء عملها تتغذَّى على مادة الجليكوجين الموجودة داخل العضلة نفسها، ولذلك نرى أبطال بعض الرياضات يعانون من السمنة.
الاعتقاد الخاطئ الخامس، فى الحقيقة وصل إلى حد الهوس الأسطورى، وهو ما يُسمى بالوزن المثالى.. والحقيقة العلمية هو أن وزن الجسم البشرى ليس فقط وزن الدهون داخل الجسم، فيحتوى جسم الإنسان على أنسجة متباينة جدًّا فى كثافتها وكتلتها من عظام إلى عضلات إلى أجهزة داخلية، منها مثلاً الجهاز الهضمى وما يحتويه من أكل أو فضلات طعام، ولذلك لا يعقل أن يكون مثلاً كل الذكور فى العالم أصحاب طول معين لهم نفس كثافة العظام ونفس الكتلة العضلية، وبالتالى لا يُعقل أن يكون لهم نفس الوزن.
الآن نستخدم لفظ عدم تناسق القوام للتعبير عن السمنة، حيث إن الأنسجة الدهنية أنسجة ذات كثافة منخفضة، وهى أنسجة هشّة لها حجم كبير يؤثرّ على مقاسات مناطق الجسم المختلفة.
وبعد تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة أتمنى أن يتمسّك مجتمعنا بالبحث العلمى والعلم ويدقّق من المعلومات التى يتعرضَّ لها، لأننا نعيش عصر هوجة المعلومات.
د. حسام سماحة