كان العلماء حتى القرن التاسع عشر يظنون أن هناك حد أقصى ممكن لعدد السكان على الأرض، مرتبط بكمية النباتات المُمكن إنتاجها على كامل مساحة اليابسة على الكوكب، حتى تم ابتكار الأسمدة النيتروجينية، فتضاعف إنتاج المحاصيل على نفس المساحة، والأن تُعاد نفس الكرة، حيث من المتوقع أن تصل الفجوة بين عرض المياه والطلب عليها 40% بحلول عام 2050، ولكن العلم يتطور بشكل أسرع من نقص الموارد.
مطلع هذا الأسبوع نشر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرا عن قدرة التكنولوجيا على حل أزمات الدول التي تعاني من فقر مائي مثل مصر، ويحتاج الفرد سنويا لألف متر مكعب من المياه حتى يتجاوز خط الفقر المائي، و500 متر مكعب ليتجاوز خط “الشح المائي”.
وخط الفقر المائي هو الخط الذي يفصل بين المواطن الذي يستطيع تلبية احتياجاته الغذائية “نباتية وحيوانية ومُصنعة” واحتياجاته الأخرى أيضا من مسكن وملبس، من كل مصادر المياه في الدولة، أنهار ومياه جوفية وأمطار ومياه مُعاد تدويرها، وبين المواطن الذي لا تكفي المياه في دولته احتياجاته الأساسية.
ويبلغ نصيب المواطن المصري حاليا من المياه حوالي 600 متر مكعب سنويا، ما يعني أننا لسنا فقط فقراء مائيا، ولكننا قريبين للغاية من “الشح المائي”، ونحن هنا لا نذكر آثر الزيادة السكانية والسدود التي تسعى أثيوبيا لبنائها خلال الأعوام القادمة.
هناك خمس حلول تكنولوجية يقترب العالم من تطبيقها لحل أزمات المياه، أولها استخدام تقنية “البلوك تشين” في إدارة الموارد المائية، وستسمح هذه التقنية لكافة المستهلكين وصناع القرار بمتابعة حركة المياه على مستوى الجمهورية، وبالتالي محاسبة أي مسئول عن إهدار المياه في أي قطاع “منزلي- زراعي- صناعي”، والمعروف أن زراعة الأرز تستهلك حوالي 27% من إجمالي حصة مصر من مياه النيل التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، حيث يتم ري المحصول بالغمر، ليستهلك كميات كبيرة من المياه، خاصة في دلتا مصر، وستتيح هذه التقنية متابعة أي الحقول أكثر إهدارًا من غيره، وأي الصناعات والمنازل كذلك، وتدفع المسئولين الحكوميين للتحرك لوقف هذا الإهدار، لأنهم سيكونون تحت ضغط المعرفة الشعبية.
كما ستمنح التقنية معلومات عن أفضل الأوقات، باليوم والساعة، لاستغلال المياه، وضبط المصارف.
الحل الثاني وهو متاح حاليا، وهو التوسع في إعادة تدوير المياه بشكل لامركزي، فقد ابتكر العلماء عدة نظم لإعادة تدوير المياه على مستويات صغيرة، دون الحاجة للمحطات الحكومية الضخمة، وكل ما نحتاجه حاليا توفيرها بالأسواق ودعم الدولة لها.
أما الحل الثالث فيتمثل في اتجاه العالم لإدارة أفضل لأحواض المياه الجوفية، فبعد اقتراب كيب تاون، عاصمة جنوب أفريقيا، من الجفاف الكامل، حيث لا توجد أي مصادر للمياه في المدينة نتيجة سوء استغلال المياه الجوفية، سعت بعض المنظمات لتطوير نظم إدارة وقياس خاصة بالمياه الجوفية لضمان الحفاظ عليها، والأن ليس فقط لدينا القدرة على توقع نضوب الآبار، بل نستطيع اختيار نوع وقوة الاستثمار المناسب لدعم المياه الجوفية.
الحل الرابع يتمثل في إنتاج المياه عبر التحلية وتكثيف الهواء، وقد طور العلماء هذه التقنيات بشكل كبير، وهي الأن مناسبة للمناطق الصحراوية، والحل الخامس هو تحويل المدن التقليدية إلى مدن ذكية للمياه والصرف الصحي، فتوفير أدوات “صناعية- زراعية- منزلية” موفرة للمياه سيقلل الفاقد بشكل كبير.