منذ أكثر من ١٠ سنوات أعد أستاذ العلوم العسكرية فى جامعة كرانفيلد البريطانية، كريستوفر بيلامى، دراسة عن تسمية العمليات العسكرية، لكن كل ما كان يشغله وقتها هو الإجابة عن سؤال مهم هو : لماذا تطلق القوات المسلحة فى العالم أسماءً على عملياتها العسكرية ؟ ولماذا يكون بعض هذه الأسماء فى غاية الوضوح، والبعض الآخر فى غاية الغموض ؟
تاريخ أسماء العمليات العسكرية
فى الولايات المتحدة، مثلا، تميل أسماء العمليات العسكرية إلى الوضوح، وهى عادة ما تعكس وجهة النظر الأمريكية بشأنها.
أمريكا أعلنت مؤخرا إطلاق اسم “العزيمة الصلبة” على الأعمال العسكرية التى تنفذها قواتها على رأس التحالف الدولى، لمواجهة تنظيم “داعش” فى العراق وسوريا.
عام ١٩٩٠ وبعد الغزو العراقى للكويت، سميت عملية الانتشار للمساعدة فى الدفاع عن المملكة العربية السعودية، التى حدثت فى الثامن من أغسطس باسم “درع الصحراء “، بينما سميت العملية التالية التى استهدفت إخراج القوات العراقية من الكويت باسم “عاصفة الصحراء”، بينما أطلقت أمريكا على عملية تحرير رهائن سفارتها فى طهران بعد الثورة الإسلامية، اسم “مخلب النسر”، كما أطلقت على غزوها أفغانستان اسم “الحرية الدائمة “.
أما الطريقة البريطانية فمختلفة تماما، فبريطانيا كانت قد أطلقت على عمليتها العسكرية الخاصة فى العراق فى نفس حرب الخليج اسم “جرانبى”، التى هى قرية فى نوتنجهام فى المنطقة الوسطى بإنجلترا.
وهو أيضا اسم قائد لامع فى حروب المملكة الإنجليزية ضد الفرنسيين فى القرن السابع عشر الميلادى، وإلى الآن لم يعرف سبب تسمية هذه العمليات بهذا الاسم.
فى حين تكون الطريقة الروسية فى تسمية العمليات العسكرية الأكثر إثارة، فالروس أطلقوا على أول هجوم مضاد فى ستالينجراد فى أثناء الحرب العالمية وتحديدا عام ١٩٤٢ ، اسم “أورانوس”، ثم اسم “زحل”، وعندما كان السوفييت يخططون لعمليات تطويق واسعة فى شمال بلادهم، أطلقوا اسم “المريخ”.
عادة ما يكون للجيش الإسرائيلى مرجعية توراتية فى اختيار أسماء المعارك التى يخوضها، مثل “عمود السحاب “، التى ترمز لسير لله وسط شعبه وحمايته لهم، وقيادته فى جميع رحلاتهم فكان الرب يسير أمامهم نهارا فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق، كما يستعينون أحيانا بأسماء روايات شهيرة، مثل “عناقيد الغضب “، وهو الاسم الذى أطلق على الحرب ضد لبنان فى ١٩٩٦ ، وهو نفسه اسم رواية شهيرة للروائى الأمريكى جون شتاينبك.
وللتسمية تفاصيل سياسية ومعنوية، حيث تحمل كثيرا من الإيجابيات بالنسبة إلى الإسرائيليين الذين يندفعون نحو العملية بقوة وحضور نفسى، وهم يرددون أسماءً لعمليات تتغنى بعقيدتهم، ويقال إن دائرة فى الجيش الإسرائيلى تُسمى بـ “الدائرة المعنوية”، من مهمتها اختيار الاسم الذى سيتم إطلاقه على أى عملية عسكرية.
بينما تستعين حماس فى عملياتها العسكرية ضد إسرائيل بأسماء قرآنية، مثل “العصف المأكول”، و”حجارة السجيل”.
فى مصر.. بدر ونسر
الطريقة المصرية ربما مستوحاة من البيئة ومن الموروث الشعبى والقرآنى.
ف “بدر” كان اسم عملية نصر أكتوبر، وهى تطوير للخطة “جرانيت ٢ ” ، وكان من طرحها أيضًا هو الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة فى حرب ١٩٧٣ ، وكان سبب تسميتها بهذا الاسم بدلا من اسم “المآذن العالية “، هى أنها تمت فى رمضان، مما جعل المصريين يختارونها تيمنًا بغزوة بدر، التى وقعت فى هذا الوقت من السنة الهجرية.
وبالعودة إلى اسم عملية “جرانيت ٢ “، فلم يعرف على وجه التحديد سبب تسمية خطة الشاذلى لاحتلال المضائق الجبلية فى شبه جزيرة سيناء بهذا الاسم، إلا إذا كان طبيعة صخر الجرانيت الذى لا يلين بسهولة، يرمز إلى أن مصر لن تتهاون فى استرداد أرضها تحت أى ظرف.
الجيش المصرى اختار أيضا لعملياته العسكرية فى سيناء ضد الإرهابيين، التى بدأت فى ١٢ أغسطس ٢٠١١ ، اسم “نسر .”
وتجدر الإشارة إلى أنه كان من الشائع فى مصر استخدم أسماء المواقع التى تدور بها العمليات العسكرية فى حرب أكتوبر ١٩٧٣ ، مثل معركة لسان التمساح، عيون موسى، تبة الشجرة، معركة القنطرة شرق.
أسماء من أسرار التاريخ
العمليات النوعية الخاصة لها أسماء أيضا، فتتصدر عملية “فالكيرى” قائمة الأهم بين المهمات العسكرية، وهى خطة طوارئ وضعها هتلر لاستخدامها حال حدوث أمر طارئ يمس الأمن القومى الألمانى، إلا أن الخسائر المتكررة فى الحرب العالمية، جعلت كبار ضباط الجيش يفكرون فى التخلص من هتلر باستخدام تلك الخطة. ثانى العمليات فى قائمة المهمات العسكرية العشر الأهم تأتى عملية “جيرونيمو”، وهى العملية التى قامت بها الاستخبارت الأمريكية لقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن فى باكستان، فضلا عن عملية “أنتيبى” التى قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلى لإنقاذ ٢٤٨ رهينة على متن طائرة للخطوط الجوية الفرنسية فى مطار بأوغندا.
أيضا عملية تحرير موسولينى من السجن، بعد أن تم اعتقاله بتهمة الخيانة من قبل ملك إيطاليا من ضمن العمليات السرية المهمة فى التاريخ، وأطلق عليها اسم “السنديان”.
أما عملية “غضب لله ” فهى الخاصة بإقدام مجموعة “أيلول الأسود ” الفلسطينية على خطف ١١ رياضيا إسرئيليا خلال دورة الألعاب الأوليمبية بميونخ. وللعمليات الإلكترونية أيضا أسماء منها عملية “باى باك”، التى هى إحدى أهم العمليات السرية لحجب الخدمة من جانب مجموعة ضد عديد من المواقع الإلكترونية، التى سحبت دعمها موقع “ويكيلكس ” بعد تسريب سجلات الحرب على العراق.
عمليات قذرة
فى كتاب “الأسماء الرمزية ” لويليام أركن ، يقدم المؤلف أسماء ٣٠٠٠ عملية سرية حول العالم، منها عمليات قام بها الجيش الأمريكى بالتعاون مع إسرائيل، ومنها أسماء غاية فى الغرابة، نذكر منها:
“الوقاية التعاونية “، وهى عملية تمت فى يونيو ٢٠٠٤ ، وتضمنت ندوات ونقاشات مقلقة وتدريبات عملية على مواجهة الكوارث المفاجئة الناجمة عن أعمال عسكرية غير متوقعة.
و”القطعة الأنيقة “، وهى تدريبات على العلاقة بين القوات المسلحة والمؤسسات المدنية السياسية، وشاركت فيها تونس والأردن.
و”استغرق فى النوم “، وهى العملية التى تعلقت بتطوير صاروخ “بوب آى ” الإسرائيلى وإعداده للاستخدام فوق القاذفات الأمريكية الثقيلة من طراز “بى – ٥٢ “، إضافة إلى عملية “ضوء القمر اللا نهائى”، وهى عملية استخبارية مشتركة بين الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل، وفى شقها الأردنى استخدمت العملية لمتابعة صهر صدام “زوج ابنته ” حين فر من العراق إلى عمان فى أغسطس ١٩٩٥ .
هناك أيضا عملية “مسلسل الجبال”، وهو الاسم الذى أطلقته مخابرات وزارة الدفاع على كل المعلومات الاستخباراتية التى تأتى من إسرائيل، ويتضمن هذا البرنامج عملية فرعية تسمى “لبلاب الجبل” أطلقت على المعلومات التى تحصل عليها إسرائيل ليس عن طريق عملاء مباشرين ولكن عن طريق التجسس الإلكترونى.
وعملية “حمامة السلام “، وهى التى تتعلق بنقل أجهزة المخابرات الجوية ومكافحة العمليات الاستخباراتية المضادة وعمليات تضليل أجهزة الرادار المعادية لأمريكا وإسرائيل، ومنها أيضا عملية باسم “الحضور المتألق”، وهى التى هدفت إلى دعم الدفاع الجوى الإسرائيلى لحماية المجال الجوى الإسرائيلى من الاختراق الجوى بالطائرات أو الصواريخ.