تعاني مصر من أزمة الوحدات السكنية المُغلقة منذ عقود، حيث وصل عددها إلى 11.5 مليون وحدة سكنية خالية، ولكن الجديد في الأمر ظهور وحدات مغلقة ـ مُدعمة ـ في مشروع الإسكان الاجتماعي الذي توسعت الدولة في إنشائه في السنوات الماضية، حتى يتوفر السكن لمحدودي الدخل، الذين يمثلون غالبية السكان.
ومن الطريف، وربما الغريب أيضا، أن جهاز مدينة قنا الجديدة سلّم ألف وحدة إسكان اجتماعي لمستحقيها، لم يتم شغل أي وحدة منها.
ووافق البرلمان على قانون الإسكان الاجتماعي الجديد الذي ينص على عدم جواز التصرف في الوحدة قبل سداد ثمنها بالكامل، خلال 5 أعوام، وكان هذا سببا في زيادة عدد الوحدات المغلقة الممنوع بيعها، حتى لو لم يحتاجها مالكها، ولكن هذا ليس السبب الوحيد.
في الأسبوع الحالي أصدر مرصد العمران التابع لمؤسسة “طوبة للدراسات والتطبيقات العمرانية” دراسة حول الإسكان الاجتماعي وعوائق الاستغلال الأمثل له واستفادة المواطنين منه.
أول هذه العوائق هو التركيز على محور التمليك المُدعَّم، دون الإيجار التمويلي المناسب أكثر لفقراء مصر، كما أن نظام التمويل العقاري يفضل من حيث الإجراءات والتكاليف العاملين بشكل رسمي، موظفي الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص الرسمي، على العاملين بالقطاع غير الرسمي، وهم أغلبية سكان مصر، والأغلبية الساحقة من الفقراء.
ويُطلب من أصحاب الأعمال الحرة والعاملين بشكل شبه رسمي ومن هم على المعاش دفع أكثر من ضعفي المُقدم الذي يدفعه الموظفون الرسميون.
وتظهر نتيجة ذلك في أن 5٪ فقط من الوحدات على مدى السنوات الثلاث الماضية تم تخصيصها لمن لا يعملون بشكل رسمي، فيما ارتفعت النسبة لـ19% خلال السنة المالية الحالية 2107/ 2018 بعد تغيير بعض الشروط.
مشكلة أخرى وهي عدم ارتباط العرض بالطلب جغرافيًا، حيث يزيد الإقبال على الإسكان الاجتماعي في محافظات لا توفي الحكومة طلباتها، بينما نجد محافظات أخرى لا تعتمد على هذا النوع من الإسكان، فينخفض معدل تغطية طروحات الحكومة، ثم تنخفض معدلات الإشغال، لأن الهدف من شراء الوحدة هو الاستثمار لسنوات طويلة.
ويضاف إلى ذلك تركز عمليات البناء حول القاهرة أو في عواصم المحافظات، دون الاهتمام باحتياجات باقي المراكز، التي من المحتمل أن يرتفع عدد سكانها عن العاصمة، وبالتالي احتياجاتهم أكبر للسكن الاجتماعي.
وكان من أكثر الخطوات الحكومية تسببًا في إفراغ هذه الوحدات من ساكنيها المحتملين قرار وزارة الإسكان مطالبة مقدمي الطلبات في المواقع التي لم يتم بناء إسكان بها، بتغيير طلباتهم إلى مدن جديدة على بعد يتراوح من 20 كم إلى 55 كم من اختياراتهم الأصلية، حتى أن الوزارة أصدرت تعليمات للمتقدمين من الواحات البحرية بتغيير طلباتهم إلى مدينة 6 أكتوبر، والتي تقع على بعد 300 كم من موطنهم، وإلا فليسحبوا طلباتهم.
كما تم بيع وحدات الإسكان الاجتماعي إلى مقدمي الطلبات ذوي الدخل الأعلى، وهم في الأساس أصحاب الدخول فوق المتوسطة، عن طريق إدخال محور تمليك فرعي غير مدعوم وسميت إعلاناته بالإسكان الاجتماعي الحر، أو الإسكان الاجتماعي المتميز “سكن مصر”، أو الإسكان الاجتماعي للمصريين بالخارج، وتم بيع عمارات كاملة إلى المحافظات، التي ستستخدم آليتها الخاصة لبيع الوحدات، والتي على الأرجح ستذهب إلى الأسر ذات الدخل المرتفع، حيث أنه لم تتقدم الأسر الفقيرة بطلبات أو لم تستطع ذلك عندما تم الإعلان عنها في البداية.
في النهاية أدت كل هذه الخطوات إلى تحول وجهة وحدات الإسكان الاجتماعي إلى المواطن المستثمر بدلًا من المواطن المحتاج بالفعل لهذا السكن، وهذا لا يتطلب تشريعا يمنع المواطنين من “التسقيع” ولكن يتطلب إجراءات أفضل لاستهداف فقراء مصر.