تحل اليوم السبت ذكرى معركة بدر الكبرى التى وقعت فى17 رمضان فى العام الثانى من الهجرة الموافق 13 مارس 624 م .
ومعركة بدر هى أول معركة دفاعية بين المسلمين ومهاجميهم من المشركين القادمين من مكة التى كانت ما تزال تقع تحت سيطرتهم آنذاك .
ويروى الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية أنها أول معركة فى الإسلام قامت بين الحق والباطل؛ لذلك سميت يوم الفرقان .
ويقول الجندى أن بدر معركة وليست غزوة لأن المشركين هم من قدموا إلى المسلمين لمحاربتهم فدافع أتباع الدين الحنيف عن أنفسهم ، فمصطلح غزوات يساء فهمه من قبل المستشرقين وأعداء الدين مدعين أن الإسلام انتشر بالسيف لإكراه غير المسلمين على اعتناقه.
سبب الغزوة :
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطع على قريش طريق قوافلهم التجارية مع بلاد الشام ليضعفهم مادياً ، فعلم صلى الله عليه وسلم أن قافلة تجارية بقيادة أبي سفيان ابن حرب قادمة من بلاد الشام تحمل أموالاً عظيمة ويحرسها ثلاثون أو أربعون رجلاً ، فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه “هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل اللّه أن ينفلكموها” (2).
فخرج صلى الله عليه وسلم من المدينة ومعه 314 رجلاً من الصحابة .. 83 منهم من المهاجرين و231 من الأنصار .. 170 من قبيلة الخزرج و61 من الأوس .
وكان مع المسلمين سبعين بعيراً يتعاقبون ركوبها وَفَرَسان، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو لبابه وعلى بن أبى طالب يتعاقبون على بعير واحد، وكان صلى الله عليه وسلم لا يريد قتالاً.
لما علم أبو سفيان بخروج المسلمين غيَّر طريق سَيْره إلى الساحل وأرسل إلى قريش ضمضم بن عمرو الغفارى يطلب منهم الخروج للمحافظة على تجارتهم وحماية رجالهم ، عند ذلك أعدت قريش جيشاً من ألف رجل ومعهم سبعمائة بعير ومائة فرس ، ثم أرسل إليهم مرة أخرى يخبرهم بأنه نجا بقافلته إلا أن قريشاً استمروا فى سيرهم حتى وصلوا إلى بدر وهى منطقة قريبة من المدينة المنورة .
الاستعداد للقتال :
عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بخروج قريش لقتاله استشار أصحابه إذ أنه لم يخرج للقتال، قال تعالى:{ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُون} (3).
وقال تعالى: { وإِذْ يَعِدُكُمُ اللّه إِحْدىَ الطَّائِفَتَيْن أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ الله أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرين}(4). فوجد منهم استعداداً للقتال وأنهم باعوا أرواحهم للّه فأخذ صلى الله عليه وسلم ينظم الصفوف ويبشرهم بإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
بداية المعركة :
فى يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية للهجرة التقى الجيشان فى بدر و كان الرسول قد قسم الجيش الى كتيبتين كتيبة المهاجرين و اعطى رايتها لعلى بن ابى طالب و كتية الانصار و اعطى رايتها لسعد بن معاذ .
بدأت المعركة بالمبارزة، فقد خرج ثلاثة من المشركين وطلبوا المبارزة وهم : عتبة بن ربيعة وابنه الوليد وأخوه شيبة بن ربيعة، فخرج إليهم من المسلمين : عبيدة بن الحارث وعلي ابن أبى طالب وحمزة بن عبد المطلب رضي اللّه عنهم، فبارز عبيدة الوليد.
وبارز حمزة عتبة فقتله ، وبارز على شيبة فقتله ، أما عبيدة والوليد فقد ضرب كل منهما الآخر، قبل أن يتمكن على على الاجهاز على الوليد فقتله ثم التحم الجيشان وأمدّ اللّه المسلمين بالملائكة وكتب لهم النصر.
واستشهد من المسلمين خلال المعركة 14 شهيدا 6 من المهاجرين و 8 من الانصار بينما قُتل من قريش ما يقارب 70 مقاتل قُتل ما يقارب نصفهم بسيف الإمام على (ع) فيما أسر المسلمين اكثر من 70 آخرين .
القرآن الكريم يتحدث عن ذلك في سورة آل عمران في الآيات 123 – 127 في قوله تعالى:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُنزَلِينَ
بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
لْيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَائِبِين
ويوضح د. الجندى ان بعض العلماء رأوا بأن الملائكة شاركت فى بدر وأن كل مسلم كان يقاتل كان معه ملك بينما يرجح كثير من العلماء أن الملائكة لم تكن تقاتل بالسيوف، حيث كانت مشاركتهم رمزية فيحضون المسلمين على القتال ويبعثون فيهم الحمية والصبر والثبات على المعركة، ولتكون رسالة من الله بأنه مع المسلمين ولا يفارقهم وأنه مصيرهم وهو الانتصار، فلم يكن نزول الملائكة حقيقًا بالسلاح وبالأشخاص.
ومشاركة الملائكة فى بدر صريحة فى القرآن الكريم في قوله جل شأنه «إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِين»، وقوله تعالى: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ».
اما عن مشاركة إبليس فى المعركة ، فقال د. الجندى بان هناك روايات بأن إبليس شارك مع المشركين فى بدر، ومنها : أن الشيطان تشبه في المعركة في صورة سراقة بن مالك، ولم يفارقهم منذ خروجهم من مكة، فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه ، وتشبث به الحارث بن هشام، وهو يظنه سراقة، فدفعه في صدره، فألقاه ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون: إلى أين يا سراقة ؟ ألم تكن قلت : إنك جار لنا، لا تفارقنا ؟ فقال: إني أرى ما لا ترون ثم فر حتى ألقى نفسه فى البحر.