“إينانجا”، إسم آلة موسيقية من بوروندي كانت تنطلق من أوتارها اعذب الألحان في بلاط الملك وبيوت رجال حاشيته، قبل إعلان النظام الجمهوري في هذا البلد عام 1966.. وفي أيامنا هذه أضحت الـ “إينانجا” عنصرا قارا في الحفلات العامة، تشنف آذان السامعين بألحان مستلهمة من الحياة اليومية للبورونديين، وترافقها في الكثير من الأحيان رقصة تلائم الأجواء الملكية القديمة، بحسب “جوزيف توروبيكا” موسيقي يبلغ من العمر 65 عاما، انطلق في العزف على هذه الآلة منذ سن الثانية عشر.
وتشبه الـ “إينانجا” الموسيقية إلى حد بعيد في شكلها آلة القانون وتعود أصولها إلى رواندا فضلا عن انتشارها الكبير في كل من بوروندي والكونغو الديمقراطية.
اقرأ أيضًا: تحذير .. الموسيقى الصاخبة .. ادمان !!
وبالعودة إلى تاريخ الـ “إينانجا”، يوضح “توروبيكا” أن العزف على هذه الآلة الموسيقية في البلاط الملكي قديما، كان مرفوقا بجملة من الطقوس كمثل ارتداء لباس مميز وارتداء تاج فوق الرأس لجلب انتباه الناس.
“توروبيكا” يوضح للأناضول إنه “في ما مضى من الأيام، كان عدد كبير من الأشخاص يقدمون إلى القصر الرئاسي لمقابلة الملك أو لطلب خدمات او لتقديم الشكر له ويضطر البعض منهم إلى الانتظار لأيام عدة قبل مقابلة الملك، في الأثناء، تعزف آلة الـ “إينانغا” لتسلية المنتظرين وتأثيث سهرات الانتظار الطويلة، كون المكان لم يكن يسع الجميع للنوم.
اقرأ أيضًا:بالصور .. عمرو دياب يحصل على 4 جوائز فى حفل الموسيقى العالمية
ولم يكن استعمال الـ “إينانجا” يقتصر على هذه الأغراض فحسب، بل كان أيضا يعزف على هذه الآلة لمرافقة الملك أثناء نومه وهو ما يفسر بحسب المطلعين أن الغناء المصاحب للعزف على هذه الآلة كان يخرج في صوت يشبه الهمس.
“تصدر الإينانجا صوتا شديد العذوبة يحظى بإعجاب الجميع، وتؤثر حتى على الأبقار، وهو ما دفع الرعاة إلى العزف عليها أمام قطعان ماشيتهم من أجل زيادة إدرار الحليب”، يقول “توربيكا” في نبرة ما بين الجد والهزل.
سحر الـ “إينانغا” سافر عبر الزمن وظلت هذه الآلة مصدر جذب للجميع بمن في ذلك فئة الشباب لا سيما وأنه لم يعد مقتصرا على طبقة اجتماعية بعينها بل أضحى عنصرا لا غنى عنه في الحفلات العائلية والعامة.
اقرأ أيضًا: ياسر عبد الرحمن .. مفتاح صول فى نوتة الموسيقى المصرية
“لقد كان جدي يعزف على الـ “إينانجا” وأرغب بدوري في تعلم ذلك، فالأغاني التي تهمس لمرافقة العزف تروي تاريخنا ومآثر كبار قادتنا”، يقول “إيتيان سينزينكايو”، شاب يبلغ من العمر 18 عاما ولد على مقربة من “مورامفيا”، العاصمة الملكية القديمة.
ويستحضر الشاب المطلع على هذا النمط من الموسيقى رواية “ماكونكو”، صهر الملك “مويزي جيزابو” (الذي حكم ما بين 1850 و 1908) في الصراع الذي جمعه بالملك من أجل بضعة كلاب صيد ملفتا إلى أن ذلك يجعلها أكثر رسوخا في الأذهان ويمكن “أن تمثل وسيلة مثلى للاطلاع على تاريخ البلاد وتقريبها أكثر لفئة الشباب”.
اقرأ أيضًا: اسمع موسيقى تاكل أكل حلو .. النغمات تضيف نكهات مميزة على الأطعمة والمشروبات
“أوغوستين نيمبونا”، تلميذ في معهد “بوكووي”، الواقع على مسافة قريبة من “موراميفا” يقول بدوره في حديث مع الأناضول إنه يقبل على الاستماع إلى اغاني الـ “إينانغا” لجملة المعاني والحكم التي يكتنزها هذا الفن، فيما تؤكد “اسبيرونس بوكورو” إن ما يجلبها إلى هذا النمط الغنائي هو ما يوفره من اطلاع على تاريخ بوروندي .
ويتم العزف على هذه الآلة الموسيقية بحسب قواعد مضبوطة يعرفها الشباب كما القدامى على غرار “برنار كازيري” شيخ في الثمانين من عمره ينحدر من العاصمة الملكية القديمة “مورامفيا”، عايش تلك الفترة من تاريخ البلاد وكان حاضرا في العديد من المناسبات في البلاط الملكي مع مطلع القرن الماضي، يصف الـ إينانغا وطريقة عملها قائلا إنها: “تتكون الـ من تجويف خشبي يمتد عبره وتر من جلد بقرة وتتحدد جودة الأصوات المنبعثة منها بحسب مدى انشداد الوتر” .