والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا و حبّـك مقـرون بأنفاسـى
ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم إلا و أنت حديثي بين جلاسى
ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا و أنت بقلبي بين وسواســى
ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رَأَيْتُ خيالاً منك فى الكـــأس
هكذا كان يتغنى فى حب المولى عز وجل ، التصوف في دربه جهاد في سبيل إحقاق الحق، وليس مسلكًا فرديًا، ذاعت شهرته وأحدثت أفكاره بلبله في العراق والبلدان العربية، فاتُهم بالزندقة تارة بإزدراء الأديان تارة أخرى، وأُهدر دمه، هو الصوفى الأكثر جدلًا “أبو عبد الله حسين بن منصور الحلاج”.
تركت أسرته قرية “الطور” بالعراق وانتقل معها إلى قرية “وسط”، وكان أبوه يعمل فى حلج القطن ونسجه، فكان لاسمه نصيب من حرفة أبيه، أمضى الحلاج صباه متنقلاً بين كتاتيب العراق يتلقى ما أتيح له من العلم، ثم انتقل إلى تستر ، ثم إلى البصرة لينشئ علاقة طيبة بعمرو بن عثمان المكّي الصوفي الذي أدخله عالم التصوف، وتركه يبحر إلى أن تربع على العرش والتف حول عبائته العديد من مجاذيب الهوى.
كان من أشهر التهم التى انهالت على الحلاج هو “التلون”، حيث ادعى البعض أنه شخص متلون نظرًا لما يرون “الحلاج” تارة بزي الفقراء والزهد وتارة بزي الأغنياء والوزراء وتارة بزي الأجناد والعمال، فذلك الاختلاف لم يرق لأهل بلاده، ولكن بالرغم من تلك الانتقادات التي جابهته؛ إلا أنه طاف البلدان ودخل المدن الكبيرة وانتقل من مكان لآخر داعياً إلى الله الحق على طريقته، فكان له أتباع فى الهند وفى خراسان، وفى سركسان وفي بغداد وفي البصرة.
“ديني لنفسي ودين الناس للناس”، بتلك الكلمات صدح صوت الحلاّج، ولكن دون جدوى، آرائه وفلسفته لم ترق للفقيه “محمد بن داود” قاضي بغداد، الذي رأى تلك الآراء متعارضة مع تعاليم الإسلام، فرفع أمر الحلاج إلى القضاء طالبًا محاكمته أمام الناس والفقهاء، وكان النتاج أنه لقي مصرعة بعد صلبه على باب خرسان، على يد الوزير “حامد ابن عباس” تنفيذًا لأمر الخليفة المقتدر.
لم تعرقل الاشاعات والاتهامات صفو الحلاج، فغدا يتحدث وينشر آرائه دون خوف ولا جلل من الأقاويل المثارة حوله، والتي بسببها اندثرت حقيقة الحلاج حتى الآن.