سرية شديدة وغريبة، حصار إعلامى، مواقع تصوير بعيدة، اشتراط التفرغ التام.. فى كل هذه الأجواء يعمل صنّاع مسلسل «السهام المارقة»، المقرر عرضه فى الموسم الدرامى الرمضانىالمقبل. المسلسل – الذى بدا أنه «ملعون» و«منبوذ» من الكثيرين- يتناول حياة وأفكار الجماعات المتطرفة وعملياتها الإرهابية فى البلاد العربية، خلال السنوات الأخيرة. ورغم أن فكرته ليست جديدة وسبق أن تطرقت لها أعمال فنية من قبل، فإن منتجى العمل يفرضون سياجات من السرية والحصار على مسلسلهم، بمن فيهم الممثلون الذين أصبحوا ممنوعين من الكلام حرفيًا لوسائل الإعلام عن المسلسل، وإلا تعرضوا للغرامات.
بجانب ذلك، يواجه المسلسل أزمة شديدة فى طريقة تسويقه على الشاشات المصرية، وإلى الآن فشلت الجهة المنتجة فى الاتفاق مع أى شبكة، وبدا أن عرضه سيقتصر على مشاهدى الخليج.
فكرة سينمائية لـ«معز مسعود».. الممثلون صف ثانٍ.. واقتصار العرض على مشاهدى الخليج
فكرة المسلسل بدأت من الداعية الإسلامى معز مسعود، الذى كان يريد تقديم عمل سينمائى يواجه الإرهاب والتطرف فى البلدان العربية، من خلال الدخول إلى عالم الجماعات المتطرفة، دون الإشارة بشكل مباشر إلى تنظيم «داعش»، وتواصل «معز» مع مؤسسة «أبوظبى للإعلام»، وعرض عليها الفكرة. إلا أن المؤسسة طلبت تحويلها إلى مسلسل تليفزيونى، وسريعًا عُقدت شراكة بين المؤسسة و«مسعود» دخل فيها لاحقًا المنتج محمد حفظى.
اتفق الأطراف الثلاثة مع «آل دياب»: «محمد وخالد وشيرين» على كتابة سيناريو وحوار المسلسل، ورغم انشغالهم بمسلسلهم «طايع» بطولة عمرو يوسف، إلا أن الإخوة شرعوا فى الكتابة بالفعل، وفيما يبدو أن «أبوظبى» عرضت عليهم مقابلًا كبيرًا فى المسلسل.
بعد ذلك كان على الشركاء المنتجين اختيار الممثلين، فتعاقدوا مع شريف سلامة وهانى عادل وشيرى عادل ووليد فواز من مصر، والتونسية عائشة بن أحمد، واللبنانية دياموند أبوعبود، والسعودى هشام فقيه، والعراقى كامل إبراهيم، والمخرج المصرى محمود كامل.
ويتناول المسلسل وحشية الجماعات المتطرفة من خلال أفكارها وأعمالها الإرهابية، التى نفذتها فى عدة دول عربية، ويقدم كواليس المعسكرات والصراعات الداخلية بين أعضاء هذه التنظيمات، وكيف ينظر الإرهابيون إلى السيدات والسبايا اللائى يقعن تحت أيديهن.
وتلعب شيرى عادل فى الأحداث دور أم مسيحية تقع أسيرة لجماعة إرهابية وتحاول الهروب ولكن دون فائدة، وكذلك عائشة بن أحمد التى تقدم دور واحدة من السبايا، وتشترك مع «شيرى» فى العديد من المشاهد.
ويقدم العمل باللهجات المصرية والشامية والخليجية، نظرًا لتنوع الأحداث والشخصيات فى أكثر من بلد، وتجرى عمليات التصوير فى عدة مناطق بالصحراء، بالإضافة إلى منطقة سقارة والحزام الأخضر وحارة العدل بشبرامنت.
واشترطت الجهة المنتجة على المشاركين فى المسلسل عدم التعاقد على أعمال أخرى، وتحقق لهم هذا بالفعل، بخلاف عائشة بن أحمد التى يقتصر دورها على مشاهد قليلة بسبب مشاركتها فى «نسر الصعيد» مع محمد رمضان.
بسبب هذه المعايير والشروط الصعبة، جاءت تركيبة أبطال العمل عبارة عن مجموعة من الممثلين الذين لم يحالفهم الحظ فى التعاقد على أعمال درامية فى رمضان، بالإضافة إلى عدد من فنانى «الصف الثانى».
ويتضح هذا من أجور الأسماء الأولى للعمل، إذ إن قيمة تعاقد شريف سلامة لم تتعد ٥ ملايين جنيه، فيما حصلت شيرى عادل على مليونين فقط، بينما تذهب أغلب ميزانية المسلسل التى لا تتعدى الـ٦٠ مليون جنيه إلى الإنتاج والتكلفة الضخمة لمواقع التصوير.
ومنذ اللحظة الأولى لبدء التصوير، تعاقدت قنوات أبوظبى الإماراتية على عرض العمل عبر شاشاتها، باعتبارها الشريك الرئيسى فى الإنتاج، أما فى مصر، فرغم أن المفاوضات مع إدارة شبكة قنوات «cbc» كانت على وشك الانتهاء، إلا أن صنّاع المسلسل فوجئوا بخروج المسلسل من خريطة مسلسلات الشبكة فى رمضان.
وحاول معز مسعود أكثر من مرة إتمام التعاقد، مستغلًا علاقته بإدارة «cbc»، الذى قدم على شاشتها عدة مواسم من برنامجه «خطوات الشيطان»، لكن محاولاته فشلت ولم تشفع له فى النهاية صلته بمسئولى الشبكة.
كما حاول المنتج محمد حفظى من جهة أخرى، لكن المفاوضات باءت بالفشل أيضًا. وبخلاف «cbc» لم تبد أى فضائية مصرية رغبتها على عرض المسلسل، الذى يبدو أنه سيقتصر عرضه فى الخليج فقط.
وعلمت «الدستور» أن سبب رفض الشاشات المصرية عرض العمل أنه من نوعية المسلسلات التى تقدم معايشة شبه كاملة للجماعات المتطرفة ولذلك تخشى هذه الشبكات أن يترك المسلسل أثرًا سلبيًا لدى الجمهور، وأن يلعب دورًا عكسيًا فى استقطاب البعض للتعاطف مع الأفكار المتطرفة.
100 ألف غرامة التصريحات الإعلامية.. الأزياء سوداء.. والتصوير داخل مناطق صحراوية
السرية المشددة كانت أهم شروط المنتجين على فريق التمثيل فى «السهام المارقة»، وبعد أن تواصلنا مع أكثر من ممثل من طاقم العمل على مدار الأيام الماضية، توصلنا إلى نتيجة واحدة هى أن التجربة هى الأصعب لهم.
من البداية، التى كانت غير متوقعة لأغلب الممثلين، فرضت الجهة المنتجة عليهم شرطًا قاسيًا عند التعاقد، وهو توقيع غرامة تصل إلى مائة ألف جنيه فى حال الإدلاء بأى تصريحات إعلامية حول شخصياتهم أو أحداث وكواليس العمل، على أن تُخصم الغرامات من دفعات العقد. بالإضافة إلى ذلك، كانت كواليس العمل صعبة للغاية، فأغلب مواقع التصوير بعيدة فى الصحراء، حيث تزداد المعاناة بالطبع مع أى تقلبات جوية مفاجئة. زِى الممثلين أيضًا كان له أثر نفسى سيئ عليهم، فملابس الشخصيات سوداء دائما، الأمر الذى رسخ هذه الحالة بالنسبة لفريق المسلسل. ومع اقتراب شهر رمضان، أصبحت المعلومات الواردة عن أى فرد من صنّاع العمل مجرد إشارات سطحية تقليدية منشورة فى عدد من المواقع. وحاولت «الدستور» التواصل مع مؤلفى العمل مع أسرة «دياب»، لكن جميعهم رفضوا الحديث عن أى تفاصيل خاصة بالعمل، سواء بالنسبة للفكرة أو الحلقات التى جرى تصويرها.
كما أن إحدى البطلات التى تواصلت معها «الدستور»- ورفضت نشر اسمها- قالت إنها ممنوعة تمامًا من الكلام، مشيرة إلى أنها كانت متلهفة لرؤية صور لها فى العمل، لكنها فشلت فى الحصول عليها، ونفس الأمر لممثلة أخرى عبرت عن استيائها من الحصار المفروض عليهم. حالة تعتيم غير مبررة فيما يبدو يفرضها منتجو المسلسل على الجميع، رغم أن الموضوع والقصة جرت معالجتها من قبل فى عدد من المسلسلات والأعمال السينمائية.
وأبرز مثال على الأعمال المشابهة فى الفكرة والتناول مسلسل «غرابيب سود»، الذى عُرض فى موسم رمضان الماضى، بإنتاج سعودى- مصرى- سورى. يشترك «السهام المارقة» مع «غرابيب سود» فى موضوع الجماعات الإرهابية، وفكرة الاستعانة بطاقم تمثيل مشترك من عدة بلاد عربية. ومن حيث العرض التليفزيونى، اشترت شبكة قنوات «mbc» السعودية حقوق «غرابيب سود» العام الماضى بشكل حصرى، لكنه لم يلق المتابعة الجيدة ورفضت القنوات المصرية شراء حقوق عرض المسلسل بالرغم من التكلفة الإنتاجية الضخمة، وهو نفس المصير الذى واجه «السهام المارقة». بعيدًا عن «غرابيب سود»، هناك أكثر من عمل فى هذا الموسم يتطرق للجماعات المتطرفة، أبرزها «أبوعمر المصرى» لأحمد عز، الذى يتناول تنظيم القاعدة الذى كان بداية ظهور الجماعات الجهادية فى المنطقة، وأيضًا مسلسل «أمر واقع» لكريم فهمى، و«المعجزة» لدينا الشربينى، الذى يرصد العلاقة بين المافيا والجماعات المتطرفة، بجانب «كلبش٢» لأمير كرارة الذى يستكمل فى الجزء الثانى منه مواجهته للجماعات الإرهابية فى مصر.