فى الألفية الثالثة ، ما زال عدد من المصريين يمتلكون عربيات كارو ، ويستخدمونها لكسب أرزاقهم، بنقل بضائع صغيرة، لمسافات قصيرة، أو فى بيع الخضر والفاكهة.
قائد العربية الكارو يسمى فى أدبيات الشعب المصرى عربجى، وهو لفظ صار سيئ السمعة، لما يحمله العربجى من صفات غليظة فى التعامل مع الناس.
ربما تأتى السمعة السيئة من جملة يرددها دائما كأمر للحيوان الذى يجر العربية إن كان حمارا فيصرخ شى يا حمار، وإن كان فرسا فينادى شى ياحصان .
الغريب أن الكارو التى تعنى بالإيطالية عربة ، لا تزال تسير فى شوارع المحروسة، دون قانون يحكم أو ينظم وسيلة النقل تلك، التى استمرت على مدى قرون، دون أن تحال إلى رف التراث أو التاريخ.
كل عربجى وليه منطقته
محمد الضو، نموذج آخر للعربجية ، يقول شغلتى كل يوم ألِف فى الشوارع علشان ألقط رزقى، وكل واحد فينا له منطقه، وماينفعش حد يدخل منطقة حد، والتوزيع يتم عن طريق المعلم صاحب المقلب ، اللى بنجمع فيه الحاجة، وبعدها يقوم المعلم ببيعها إلى المصانع التى تقوم بإعادة تدوير هذه المخلفات مرة أخرى، ويا سعده يا هناه اللى يلاقى حديد أو نحاس وهو ماشى ، واستكمل الضو أنا لما بمشى فى إشارة بحاول أجرى علشان شرطة المرافق ماتمسكنيش وساعات كتير باتمسك بس ربنا بيسترها ، وأشار إلى أن أشهر المقالب هى لبدوى الخطيب، وجمال حنجل.
وعلى بعد نحو كيلومتر واحد من مدخل سور مجرى العيون تقع الورشة الصغيرة للحاج محمد الشامى، وهى الورشة الأشهر فى المنطقة. يقول الحاج الشامى اسم الشامى منقوش على كل عربيات سور مجرى العيون، هذه العائلة
هى أساس الصنعة، اللى بناكل منها عيش ، لذا نتذكره وننقش اسمه على الرغم من وفاته منذ أكثر من ٥٠ عاما.
المرور: اسألوا المرافق
المتحدث الرسمى باسم إدارة المرور، العقيد أيمن الضبع يؤكد أن المسؤول عن مخلفات عربات الكارو عدد من الجهات، وأن رجل المرور عندما يجد عربة مخالفة يقوم بإبلاغ شرطة المرافق، وشرطة النجدة التى تقوم بدورها بمصادرة العربة، وإرسال الحيوان لحديقة الحيوان بالجيزة.
لافتا إلى أنه بعد تسلم الحيوان يقوم العربجى بسداد غرامة ليتسلم العربة من جديد. الضبع لفت إلى أن عربات الكارو لها خطوط سير محددة من وإلى الأسواق، وبعيدا عن الشوارع الرئيسية للعاصمة ، لكن البائعين الذين لا يعرفون شيئا عن قواعد المرور ولا يجيد معظمهم القراءة والكتابة يحتكمون لمنطق آخر، منطق الرزق والقدر، فالبائع إن لاقى رواجا فى مكان ما، يرفض أن يغيره. علينا تنفيذ القانون ومع ذلك فتطبيقه ليس هو العلاج ، قال الضبع، مضيفا فى رأيى تلك المشكلة تستلزم تضافر جهود كثير من الجهات والوزارات للمحافظة على شوارع وميادين مصر المحروسة كواجهة حضارية لمصر .
اعتصام رابعة.. عملنا فيه أحلى شغل
فى اعتصامى رابعة والنهضة جمعنا معلمين المنطقة علشان نروح هناك نجمع المخلفات اللى بيرميها الإخوان من زجاجات ميه وكراتين وغيرها، وكان السريحة من مختلف المناطق مقسمين نفسهم، لكن بعد فض الاعتصام، وجدنا أن (سريحة عزبة أبو قرن) قد سيطروا على المنطقة كلها ، هذا ما أكده شحرور، مضيفا فى الوقت اللى كانت الحكومة فيه بتضرب الإخوان، كان العربجية بيضربوا بعض، وكان كل سريح يسابق التانى لجمع ما تبقى من الاعتصام، كانت أحلى أيام، لأننا لقينا حديد وفلوس وأسلحة.
بائعة فاكهة فى السيدة زينب تدعى أم محاسن، تقول إن والدها قام باستئجار العربة من تاجر كبير، وتقوم هى الآن بسداد ١٠٠ جنيه قيمة الإيجار، من عائد بيع الفاكهة، وهذا العائد لا يذهب لإعالة أسرتها المكونة من٦ أفراد، بل تضطر أحيانا إلى شراء بعض الأغراض التى قد يستولى عليها أفراد البلدية، أو تدفع قيمة مصالحة بقيمة ٥٠٠ جنيه تمكنها من الإفراج عن العربة إن قامت البلدية باحتجازها.
أما سيد الحمش سريح فاكهة فيقول أنا بفضل ماشى كدا بالكارو فى الشوارع علشان أبيع الفاكهة اللى معايا، أهو بأكل عيش أحسن من القعدة من غير شغل، مضيفا عربية الكارو أوفر وأرخص بكثير من العربية النص نقل، أهو بنفضل نلف بالحمار ونديله ميه وبرسيم.
كارو الحمار ب 3500 جنيه
كل عربيات الكارو الموجودة فى مصر لفترة قريبة، عليها إمضاء أحد اسمين فقط، كانا ملوك هذه الصناعة ، الأول الزعبلاوى ، والثانى محمد أحمد عبد المعطى أما الآن فتعددت ورش التصنيع.
وبالاقتراب من هذه الورش وجدنا أن تكلفة تصنيع عربية الكارو الواحدة تصل إلى نحو ألفى جنيه ، وبعد شراء الحمار يصبح سعرها ٣٥٠٠ ، وترتفع التكلفة إذا كانت آلة الجر هى الحصان، لتبلغ١٠ آلاف جنيه.
فى منطقة سور مجرى العيون، تحدث لنا أحد أصحاب عربيات الكارو، ويدعى محمد صوت، فيقول ورثت المهنة من أجدادى، وتربيت عليها، فالكارو هو رزقى الوحيد، وأتحصل يوميا بين ١٠٠ و ٢٠٠ جنيه، حسب التساهيل.
صوت قال إن هناك ثلاثة أنواع لعربيات الكارو، الأول يقوم قائدها بفحص القمامة الموجودة فى الشوارع، لينتقى الزجاج والبلاستيك والكارتون، ثم بيعه فى أماكن معينة ب ٥٠ قرشا للكيلو ، أما النوع الثانى فهى متخصصة فى نقل أدوات ومخلفات البناء، بينما يتخصص النوع الثالث فى نقل الكارتون.
وللرجل قصص مع رجال شرطة المرافق الذين يطاردونه ، فيقول قبل الثورة كانت أيام سوداء، لأننا كنا نواجه الشرطة بالرصاص، وأنا أصيت مرة بالنار علشان ما ياخدوش العربية بتاعتى، وبرضه كانوا بياخدوها، أو بياخدوا الحمار، يودوه جنينة الحيوانات، وأنا بحاول أخده منهم بعد ما أدفع ٧٠٠ جنيه ، أما عربية الكارو فكنت باخدها مكسرة .
ويحكى صوت أن بعد الثورة اجتمع عدد كبير من عربجية المنطقة، من أجل إنشاء نقابة لهم، لكن القرار تأجل، مضيفا فى المصايب، الحكومة بتيجى علنا، إحنا دايما مظلومين .
العربجى صوت يرى أنه يقدم خدمات جليلة للوطن، لأنه كان يقوم بتوصيل الناخبين إلى مقرات الاقتراع مقابل ٥٠ قرشا للفرد، فى حين يشعر بالفخر، لأن الناس لجأت إليهم فى وقت أزمات الوقود، وجعلت من عربيات الكارو وسيلة مواصلات.