نسمع كثيراً عن العلاج الصيني القديم المتمثل بالإبر التي تُغرس في مواضع عديدة من الجسد، وقد نظنها علاجاً قديما منقرضاً لا يمكن يؤدي إلى نفع مع وجود الخبرات الطبية الحديثة، والأجهزة عالية التقنية المستخدمة في عصرنا الحديث
لكنها في الواقع استُخدمت وعلى نطاق واسع في الصين وغيرها من الدول منذ حوالي 2500 عام، وتعد من أقدم العلاجات الطبية في التاريخ، وهي تعود في أصلها إلى حركة دينية صينية قديمة تدعو إلى التآلف بين الناس من جهة، وبينهم وبين الكون من حولهم من جهة أخرى .
يعود الذكر الأول للوخز بالإبر إلى سنة 300 قبل الميلاد، في كتاب كتبه (هوانغ دي)، ووصف فيه عدة أمراض، كما تم تحديد العديد من نقاط الوخز في الجسم في سنة 260 ميلادية، وجمع الطبيب الصيني (هوانغ فو مي) حوالي اثنا عشر مجلداً تحدث في مضمونها عن الإبر، وحدد مواضع وخز لا تزال مستخدمة حتى اليوم، حيث وصلت هذه المواضع إلى حوالي 2000 موضع .
في بدايات القرن التاسع عشر، عرّف المسافرون الصينيون الغرب في أوروبا والولايات المتحدة بعلاج الوخز بالإبر، وسبق العالم الفرنسي جورج سولي دو مورانت إلى الإطلاع على فن هذا العلاج، حيث
سافر إلى الصين وتعرف على ذلك الأسلوب، ثم عاد وعرّف الغرب به في القرن العشرين، وأصبح شائعاً في الولايات المتحدة في السبعينات، كما حصل على المصداقية لدى الأمريكيين في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث وصل عدد الأمريكيين المستخدمين له إلى 8.2 مليون شخص .
يٌعتبر ممارس هذه الطريقة من العلاج كالطبيب، فهو يسأل بداية عن الأماكن التي يحدث فيها الألم، كما يسأل عن التاريخ المرضى لك، ويفحص جسدك بعدها محدداً النقاط التي يبدأ فيها علاجه، ويوجد اثنا عشر طريقاً تتوزع عليها النقاط التي تغرس الإبر فيها، ويمكن أن تغرس الإبر في نقطة الألم ذاتها، أو نقاط أخرى يمتد الطريق العصبي إليها، فيُعالج ألم أسفل الظهر عن طريق غرس إبر في المنطقة القريبة من المثانة .
ونستنتج من ذلك أن هذا الأسلوب يستند كثيراً إلى فكرة تواصل أقسام الجسد المختلفة مع بعضها، وتأثير كل واحد منها بالآخر
يقوم الطبيب الممارس بمسح المنطقة المراد استخدامها بمُطهّر معين، ويقوم بعدها بإدخال إبر يتراوح عددها من اثنين إلى اثني عشر حسب الحاجة، وبعمق يتراوح بين ربع إنش، إلى ثلاثة إنشات، وتصنع تلك الإبر من الحديد الصلب، وتكون رفيعة جداً كالشعرة، وقد تشعر بالألم الخفيف عند إدخالها، لكن بعد ذلك يزول .
ويشعر أغلب المجربين لهذه الطريقة بالاسترخاء بعد إدخال الإبر، ويتم هذا خلال مدة لا تتجاوز العشرين دقيقة، ولا تكفي مرة واحدة لظهور نتائج ملموسة للعلاج، إنما يمكن أن تصل الفترة إلى حوالي أربعة أشهر، تتقلص فيها أعداد المرات التي تزاول فيها العلاج مع اختفاء الأعراض تدريجياً حتى الشفاء .