الكفالة هى المبلغ الذى تقرره النيابة أو المحكمة، نظير إطلاق سراح المتهم، لحين محاكمته فى القضية المنظورة، بمعنى كونه مبلغًا يفتدى به المتهم نفسه حتى لا يسجن فى أثناء سير التحقيقات، الفرق بينها وبين الغرامة أن الأخيرة حكم أو عقوبة على جريمة ما، بينما الكفالة هى إجراء قانونى يتخذ فى أثناء نظر التحقيقات.
ويكون استعمال الكفالة هنا، خصوصًا إذا كانت قيمتها مرتفعة، مقصود به ضمان عدم التخلفّ عن الحضور إلى المحكمة، وإلا صادرت المحكمة المبلغ، مع إصدار أمر بالقبض على المتهم، وما يتبع ذلك من أمور يعرفها الجميع المفروض أن تُرد الكفالة إذا لم يتغيبّ المتهم عن الحضور.
ممنوع في جرائم القتل
تقليديًّا، الكفالة هى شكل من أشكال الممتلكات المودعة أو تعهد بتقديمها إلى المحكمة
لإقناعها بالإفراج عن مشتبه به من السجن، على أساس أن يعود المتهم إلى المحاكمة وإلا صودرت الكفالة.
قد يتم إرجاع المال فى بعض الحالات فى نهاية المحاكمة، إذا تم المثول أمام المحكمة فى جميع الجلسات، بغض النظر عما إذا تم ثبوت الشخص مذنبا أو غير مذنب فى الجريمة المتهم فيها.
فى مصر يتم القبض على مُتهم، لا يظهر أمام المحكمة المختصة فورًا، بل هناك
خطوات تُتبع، منها مثلًا عرض المتهم على النيابة، مع حبسه لمدة معينة على ذمة التحقيق، ثم بعد ذلك يتم استدعاء الشخص أمام المحكمة لكى تطلب النيابة استمرار حبسه ثم بعد ذلك يجىء دور المحاكمة.
وأباح القانون للمتهم فى غير جرائم القتل أن يطلب الإفراج عنه بكفالة على ذمة القضية، إذا كان الاتهام فى جناية أو جنحة معاقبًا عليها بالحبس، وفى إنجلترا وأمريكا لا ينظر فى طلب الكفالة إذا كانت التهمة هى القتل العمد.
الفرق بين كفالات النيابة وكفالات القضاة
هناك فرق شاسع بين كفالة النيابة التى يقررها وكيل النائب العام فى كل نيابات
مصر، وهى تفرض على المتهم كنوع من الضمان، حتى يعود للتحقيق مرة أخرى وله الحق فى استردادها فى نهاية محاكمته إذا حصل على البراءة أو تم حفظ التحقيقات.
أما كفالة القاضى فلها شقّان، الأول فى حالة حبس المتهم احتياطيًّا فيحق للقاضى أن يخلى سبيله بكفالة حتى نهاية محاكمته وصدور حكم نهائى ضده، والثانى عندما
يصدر حكم ضد المتهم من إحدى محاكم الجنح وتصبح واجبة النفاذ، مثل جرائم
السرقات والضرب والشيكات وإيصالات الأمانة والبناء دون ترخيص، وفيها يقضى القاضى بالحبس وتقدر الكفالة لوقف تنفيذ العقوبة لحين قيامه باستئناف الحكم
أمام محاكم جنح مستأنف، ولا يحق له استئناف الحكم إلا إذا سدّد الكفالة، فإذا تراخى عن السداد يصبح الحكم واجب النفاذ ويمكن القبض عليه فى منزله أو بالشارع.
وهناك أحوال قد تصبح فيها الكفالة عقابًا، فعند تقاعس المتهم عن حضور مواعيد الجلسات وإجراءات التحقيقات فى مواعيدها المفروضة فى الأوراق تتم مصادرة الكفالة ولا يحصل عليها مرة أخرى.
من 10 جنيهات إلى ملايين
هيكل يؤكد ل »التحرير « أنه ليس هناك حد أدنى أو أقصى للكفالة المالية، فمن الممكن أن تكون عشرة جنيهات وقد تصل إلى ملايين الجنيهات، فالذى يحدّد الكفالة ويقدّرها أعضاء الهيئة القضائية من رجال النيابة العامة والقضاة، ولا بد أن تحدّد بالجنيه المصرى فقط، حتى ولو كان المتهم أجنبيًّا، والكفالة قديمًا كانت عشرة جنيهات على أقصى تقدير، لكن الآن قد تصل الكفالة إلى ملايين الجنيهات.
ودائمًا تحدّد حسب نوع القضية ونوعية الجريمة والفساد الذى ارتكبه المتهم وتأثيره على المجتمع المصرى، وأضاف أن النيابة تقوم بدراسة الحالة المالية للمتهم وبناءً عليه تقرر مقدار الكفالة. وأضاف هيكل أن تقدير قيمة الكفالة أمر متروك كلية للجهة التى تأمر بالإفراج حسبما تراه، ولم ينص القانون على شروط معينة لتقدير قيمة الكفالة المالية، لكن من واقع القضايا فإن تحديد المبلغ يراعى فيه حالة المتهم الاجتماعية وقدرته المالية ومدى اقتناع المحقق بثبوت التهمة أو عدم ثبوتها على المتهم، وكذلك الشواهد التى يمكن الارتكان إليها على استعداد المتهم تنفيذ أوامر جهة التحقيق خلال مباشرتها مهمتها، وكذلك قبول تنفيذ الحكم الذى يصدر عليه وعدم الفرار منه.
ولفت المحامى إلى أن الكفالة يقررها وكيل النيابة أو القاضى حسب الجرم الجنائى، فهناك فرق بين متهم اختلس مليون جنيه ومتهم آخر اختلس ألف جنيه، وهناك فرق بين متهم ضرب أحد الأشخاص فأحدث به إصابات بالغة ومتهم صفع شخصًا بالقلم أو ركله بالقدم، وتفرض الكفالة بشرط مهم ومحدد أن يكون للمتهم محل إقامة معلوم وثابت داخل مصر، حتى لا يهرب، ووقتها تحدّد الكفالة المالية وهى فى الوقت نفسه تحدد حسب الأوراق والمستندات والاتهامات والشهود، فمثلًا إذا كان هناك شخص ما لديه ثروة تقدر بالملايين، وقتها يمكن للقاضى أو المحقق أن يفرض عليه كفالة بقيمة ٢ أو ٣ ملايين جنيه، وليس لأحد عليه سلطان.
ويضيف: عند توقيع الكفالة على أى متهم لا بد أن تسدّد، ويمكن أن يقوم أى شخص غير المتهم بسدادها بشرط أن يكون مقيمًا داخل مصر، ويمكنه التعهّد بدفعها، وهنا يكون الإفراج عن المتهمين مشروطًا بضرورة تحصيل الكفالة، ولا يمكن إلغاؤها بأى طريقة
أو تحت أى أسباب فى القضايا الخاصة بالولاية على النفس والمال ودعاوى الحبس التى تخص محاكم الأسرة.
« موال » استرداد الكفالة
يقول أسعد هيكل، المحامى والمتحدث الرسمى باسم لجنة الحريات بنقابة المحامين، إن مصير الكفالات إذا لم يحضر المتهمون الأجانب جلسات المحاكمة تظل معلقة داخل خزانة وزارة العدل، لحين الفصل فى القضية وإعطاء حكم نهائى بات، فإذا تم إدانة المتهمين وأصبح الحكم نهائيًّا وحكم بغرامة مالية كعقوبة تكميلية، يتم اقتطاع مبلغ الغرامة المحددة من هذه الكفالات السابق إيداعها على ذمة القضية. لكن المتهم المصرى لكى يسترد كفالته عليه تقديم شهادة من الضرائب العامة تفيد عدم وجود أى مديونية عليه بأى مبالغ مالية وإن أخلّ ببعض الشروط تصبح الكفالة من موازنة وزارة العدل.
عراقيل وإجراءات طويلة
عن معاناة المحامين لاسترداد الكفالة، أضاف هيكل أن كثيرًا من المحامين بل والمتقاضين يحجمون عن محاولة استرداد الكفالة بسبب طول الإجراءات وكثرة العراقيل والتى تصيبهم بالإحباط، فإجراءات استرداد الكفالة تستغرق كثيرًا من الوقت والجهد والمال، فلا يقدم عليها أحد إلا إذا كان مبلغ الكفالة كبيرًا، مع ضمان عدم مديونية طالب الصرف لأى جهة حكومية، خصوصًا مصلحة الضرائب. ويقول إنه إذا تقرر الإفراج المؤقت عن المتهم فى غير الأحوال التى يجب فيها الإفراج عنه، فإنه يجوز لجهة التحقيق أن تعلقّ هذا الإفراج المؤقت على دفع كفالة مالية، والذى يملك تقدير قيمتها هو السلطة القائمة بالتحقيق، وهذا التقدير يتوقف على عوامل عدة، منها نوع الجريمة ومدى إمكانية تنفيذ المتهم لطلبات المحقق بالاستدعاء
مرة أخرى وشخصية المتهم نفسه، من ناحية سوابقه الإجرامية أو الخشية من هروبه، أو عدم وجود سبب لذلك، وكذلك يدخل فى تقدير المبلغ إمكانية المتهم دفع الكفالة المالية حيث يجوز لجهة التحقيق تخفيض قيمة الكفالة إذا التمس المتهم ذلك وقدّرت الجهة وضعه المادى.
أحمد عز أكبر كفالة في تاريخ القضاء
أوضح هيكل أن القانون أوجب على النيابة العامة دفع مبلغ الكفالة عن المتهمين غير القادرين ماليًّا، أما عن المواطنين الذين لم يستطيعوا دفع الكفالات، فمن هؤلاء أحمد عبد السلام وشهرته شريف المحلاوى وقررت النيابة إخلاء سبيلة بكفاله ٢٠٠٠ جنيه ولم يتمكّن المتهم من تسديد الكفالة، حيث تم استمرار حبسه على ذمة القضية حتى تم الحكم عليه ٩ أشهر وهو الآن يقضى العقوبة بالسجن.
أما أكبر كفالة فى تاريخ القضاء المصرى فكانت عندما قررت محكمة جنايات جنوب القاهرة برئاسة المستشار محمد شرين فهمى، وقف السير فى إعادة محاكمة رجل الأعمال أحمد عز فى قضية اتهامه بارتكاب جريمة غسيل الأموال المتحصلة من جريمتى التربح والاستيلاء على المال العام بما قيمته ٦٫٥ مليار جنيه، مع إخلاء سبيله بكفالة مالية قدرها ١٠٠ مليون جنيه على ذمة القضية.
وتضمّن قرار المحكمة إدراج اسم أحمد عز على قوائم الممنوعين من مغادرة البلاد والمنع من السفر.
الإفراج هو الأساس .. والحبس استثناء
أباح القانون للمتهم طلب الإفراج عنه بالضمان الشخصى، أو المالى فى الجنح الخفيفة والمخالفات، وفى القضايا البسيطة يمكن الإفراج عن المتهم أو المشكوك فيه بالضمان الشخصى، وكان شيخ الحارة فى الماضى هو الضامن الشخصى، وكان يتناول المعلوم نظير هذه الخدمة .
وفى بعض الحالات، تكون الضمانة مالية، ولا يعنى ذلك دفع أى مبلغ، ولكن الضامن سوف يفقد مقدارًا محددًا من المال إذا فشل المتهم فى الحضور إلى النيابة أو المحكمة فى القانون الإنجليزى، وأحيانًا يُطلب من الضامن إيداع مستندات تثبت ملكيته لممتلكات تكفى قيمتها لدفع الضمانة فى حالة التخلفّ.
بمعنى أنه ما دام المتهم معروفًا محل إقامته، ولم تكن له سوابق، ولم يتهم بارتكاب جريمة تهدّد أمن المجتمع، ولم تكن تهمته ارتكاب عمل عنيف.. إلخ، فى هذه الأحوال، يكون قاضى أدنى درجة أن يأمر بأحد من الأمور الآتية:
الإفراج عن المتهم دون كفالة، وبالضمان الشخصى، أو يأمر بضمان مالى أو بدفع كفالة تتناسب مع خطورة الاتهام، أو باستمرار حبس المتهم دون كفالة، حيث إن المتهم معتاد الإجرام، أو أجنبى يمكنه مغادرة البلاد، أو خطر على المجتمع، أو خطر على الشهود.
السبب فى جعل الإفراج هو الأساس والحبس هو الاستثناء هو أن المواطن فى هذه البلاد هو سلعة نفيسة، كذلك يسمح باستمرار المواطن فى عمله، وهذه هى خير وسيلة لتفادى حرمان أبرياء من عقوبة ليس لهم بها دخل، وأقصد بذلك أعضاء أسرة المتهم. ولكن نرى فلسفة الكفالة فى مصر، كما تطبقها المحاكم عكس المقصود بها طبقًا للقانون، فمن المطلوب تقدير مدى الضرر المادى والاقتصادى الذى سيترتب عليه حبس أفراد لم تتسم تهمهم بالعنف، مثل التهم الموجهة إلى كثير من مديرى البنوك والذين يمكن منعهم من مغادرة البلاد إلى أن تنتهى المحاكمة.