المعلم يعقوب حنا المصري قصة صعود درامية بدأت بالعصامية وانتهت بالخيانة لتجعل صاحبها فصلاً من فصول إحدى أكثر الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ مصر في فترة الحملة الفرنسية بسنواتها الثلاث .
ولعل تعليل سبب الجدل الذي يحيط بالشخصية هو تعاونه مع الاحتلال الفرنسي والذي استوقف عدداً كبيراً من المؤرخين فالبعض يراه خيانة لا تقبل التأويل والتبرير ، بينما يرى البعض الآخر أنه سياسي بطل حاول مقاومة العثمانيين بالتعاون مع الفرنسيين ، وما بين الرأيان يقف التاريخ على الحياد في سرد الوقائع ثم يعطي حكمه بناءاً على ما أرخه .
شخصية المعلم يعقوب حنا أو الجنرال يعقوب حنا ، يتوقف أمامها التاريخ لسرد ملابسات أحداثها ومكونات شخصياتها .
يعقوب حنا .. نشأة تقليدية و تحايل بالواقع على الوطن
ولد يعقوب حنا بمركز ملوي محافظة المنيا عام 1745م لأسرة قبطية ميسورة الحال ، تلقى تعليم القراءة والكتابة والحساب بإحدى المكتبات القبطية داخل الكنيسة ثم عمل كبير المساعدين لبعض أبناء طائفته العاملين بجمع الأموال والضرائب والحسابات حتى تعلم حرفتهم.
ثم تلقى بعد ذلك عملاً سليمان أغا رئيس الإنكشارية ” الجنود الجدد ” وقد كان سليمان من كبار أغنياء المماليك مما جعل يعقوب حنا يمتلك ثروة كبيرة من عمله لديه.
أحب يعقوب حنا المماليك وزعمائهم لأنه كان مديناً لهم بالفضل لدرجة أنه قاتل معهم جيوش حسن باشا القادمة من الآستانة عام 1786 لتثبيت دعائم الحكم العثماني بمصر .
عند قدوم الحملة الفرنسية كان يعقوب حنا قد بلغ من الغِنى مبلغاً كبيراً وتكونت لديه ثروة طائلة ألهته إلى أن يستعين به الفرنسيين في تثبيت حكمهم لمصر من ناحية احتياجهم لبيانات وسجل إيرادات والضرائب التي يجب فرضها على الشعب فقرر نابليون الاستعانة ببعض المسيحيين المشهور عنهم في هذا الوقت أنهم من كبار التجار وأنهم من مسؤلي جباة الضرائب ، فقرر تعيين المعلم جرجس الجوهري مسؤلاً عن تنظيم الموارد المالية ، واستعان المعلم جرجس بيعقوب حنا عقب قيام يعقوب بعرض خدماته وأخذ تزكية من الجنرال ديسيه الذي استعان به في حملته التي قام بها لإخضاع الصعيد ومطاردة جيش مراد بك .
وقد كان لدى يعقوب خبرة بطرق الصعيد وأوضاعه المالية والإدارية فقام بتجهيز ما يلزم الحملة من زاد وتأمين مواصلات والمشاركة في القتال لما كان لديه معرفة بطريقة القتال ثم قاد فصيل من الجيش الفرنسي ضد قوة مملوكية في أسيوط واستطاع أن يحقق الانتصار ويهزم المماليك حتى تم تكريمه بتقديم تذكار له عبارة عن سيفٍ منقوش عليه ” معركة عين القوصية 24 ديسمبر 1798م.”
تم تنصيب يعقوب بعد ذلك مسؤلاً عن جمع الضرائب من أهالي الصعيد وكان يستخدم أبشع الطرق في أخذ الضرائب من أهل الصعيد المسلمين أو المسيحيين وعندما عاد يعقوب إلى القاهرة بعد حملة الصعيد فوجئ بقيام ثورة القاهرة الأولى في 21 أكتوبر سنة 1798 وأحس حقيقة موقفه وموقف الأهالي منه ولذا بدّل داره إلى ما يشبه الدُشمة العسكرية ،واعتبرت قلعة المعلم يعقوب واحدةً من قلاع الفرنسيين في القاهرة.
ومع رحيل نابليون عن مصر قام يعقوب بتقديم خدمات كثيرة لمساعدة كليبر على قمع ثورة القاهرة الثانية نظراً لقربه من الفرنسيين فخوّل له كليبر مسؤلية جمع الأموال العامة من الشعب كيف يشاء وكالعادة استخدم حنا أسوء الوسائل لجمع المال و كل هذا جعل ليعقوب معيّة كبيرة جعلت الجنرال كليبر يمنحه رتبة كولونيل وجعله على رأس فرقة عسكرية تولى يعقوب على نفقته الخاصة تزويدهم بالسلاح والعتاد اللازم لهذه الفرقة واستمر يعقوب في تقديم خدماته للاحتلال الفرنسي بعد اغتيال كليبر
ومع الجنرال جاك مينو كافأه مينو بأن منحه رتبة جنرال وكان ذلك في عام 1801م. إلى أن جاء خبر مصرع الجنرال ديسيه صديق المعلم يعقوب الحميم والذي كان قد غادر مصر في عهد كليبر مع بونابرت لينضم إليه في حربه مع النمساويين وهناك لقى مصرعه فلما وصل إلى يعقوب هذا الخبر حزن وكتب إلى الجنرال مينو يعرض عليه دفع ثلث تكاليف النصب المفترض إقامته تخليدا لذكراه، كما كلف يعقوب الأب روفائيل وكان بنظم رسالة شعرية يرثي فيها صديقه ليرسلها إلى حكومة باريس.
ومع نهاية الحملة الفرنسية على مصر بزحف الجيش العثماني نحو القاهرة والجيش الأنجليزى نحو رشيد وحصار الجنرال مينو في الإسكندرية اضطر مينو إلى عقد مفاوضات مع العثمانيين والإنجليز للجلاء عن مصر وعزم الجنرال يعقوب على السفر إلى فرنسا فجمع متاعه وأهله وعسكره من المسيحيين وخرج إلى الروضة ليكون مع من سيغادر مع الحملة إلى فرنسا، وركب السفينة الإنجليزية بالاس ليخرج من القاهرة في 10 أغسطس عام 1801م.
وعندما كانت السفينة بالاس لا تزال في عرض البحر وقبل وصولها إلى فرنسا أصيب يعقوب بالحمى و اشتد عليه المرض ومات في عرض البحر في 16 أغسطس 1801 وحسبما ذكر الجبرتي في تاريخه والدكتور الصاوي في كتابه كانت آخر كلمات يعقوب وهو يحتضر للجنرال بليار أن يُدفن مع صديقه ديسيه فى قبر واحد.
ولم يلقي قبطان السفينة بجثة يعقوب إلى البحر كالمعتاد في مثل هذه الحالة، بل استمع إلى رجاء من معه فاحتفظ بالجثة فى برميل من الخمر حتى وصلت السفينة إلى مارسيليا وهناك تم دفنه ليُسدل الستار على الفصل الأخير في حياة يعقوب والتي بدأت واستمرت في الصعود على حساب الوطن وانتهت بإبقاء جثته في برميل الخمر انتقاماً قدرياً من الله بسبب الوطن