كتبت: سارة حامد
ضاقت بهم سبل العيش داخل أوطانهم فراحوا يبحثون عن الرزق الحلال بين براثن الحرمان والغربة ، تجرهم خيبة الأمل ليتجرعون التعذيب تارة و يقاومون القهر تارة آخري ، سبعة أقباط قتلوا برصاص الجهل والطائفية علي يد ملثمين بمدينة بنغازى في دولة ليبيا .
انت نصراني ..إذن أنت مقتول
تفاصيل كثيرة يحكيها الناجي الوحيد من مذبحة ليبيا التي استقظ عليها العالم آواخر الشهر الماضي هو عنتر ناشد بولس شاهد العيان وشقيق أحد ضحايا الحادث الأليم “كانت عقارب الساعة تشير إلي العاشرة من مساء يوم الأحد الموافق 23 فبراير حين إقتحم المنزل ثلاثة ملثمين أحدهم يرتدي زيا أسود ولا يظهر منه سواء عيناه ويحمل سلاحا آليا ومطواه في يمينه وآخرين يرتديان زيا مزركشا ويحملان سلاحا آليا في أكتافهم يعنفوني و يسألني أحدهم “وين ويليم ” ..فرديت “معرفش حد بالإسم دا ” ..و جدد السؤال بلهجة أقوي ” أنت نصراني”..ولم ارد عليه ..فأزاحني قائلا ” وريني يدك” ..فلم يجد صليب ممسكين بيدي قائلين “ورينا النصاري اللي في الحوش ” ..فرددت “معتقدش ان فيه نصاري هنا ” ..فجاء صاحب المنزل ليتحدث معهم وسرعان ما هربت إلي الطابق الأعلي ودخلت غرفتي وقمت بالإتصال علي هاتف أخي إدورد بالطابق السفلي .
و يكمل :و قتها اقتحموا الغرفتين بالدور الأسفل وجمعوا كافة متعلقاتهم المادية و هواتفهم المحمولة وأغلقوها وسئلوهم “وين النصاري اللي هنا “ردوا قائلين “كلنا مسيحيين ” فقيدوا معاصمهم و أخذوهم إلي الخارج فطلب أخي إدورد من نجله أن يحضر له شاله من الداخل لان الجو كان باردا إعتقادا منه أنهم رجال شرطة ليبيين وليسوا جماعة أنصار الشريعة الإرهابية ،فدخل نشأت إدورد ليحضر لأبيه الشال وعلي الفور اقتادهم الملثمين في سيارتين ملاكي بزجاج “فيميه “أسود وإنطلقوا بسرعة شديدة ” .
و يسترسل ” طلب صاحب العقار من المسيحيين في الطوابق العليا مغادرة المنزل دون حمل آية متعلقات شخصية وسرعان ما ذهبنا إلي أصدقاءنا في العقارات المتاخمة للمنزل ،وفي صبيحة اليوم التالي بدأنا البحث عن المخطوفين متوقعين كونهم عالقين لدي السلطات الليبية في معسكر “قنفودة ” أو “بوابة الجوارشة ” ولكن مع السؤال لم نتوصل إليهم ..ووجدنا صاحب المنزل يخبرنا بأن الشرطة الليبية عثرت علي 7 أشخاص مقتولين بأحد شواطئ التي تبعد 50 متر من المنزل حيث قامت الشرطة الليبية بتسليم الجثث إلي مستشفي التي تبين بعد تشريحها آثار تعذيب و عدد كبير من الرصاصات في الصدر والرأس و الساق مكملا ” المستشفي رفضت تسليمي الجثامين إلا في المطار خشية استهدافي بعد أن تعرضت سيارات الإسعاف الليبية التي نقلتهم من مكان الحادث إلي المستشفي لأعيرة نارية من مجهولين ” .
“عنتر ” يكشف لـ” الموقع ” حقائق لأول مرة ، عن إسم أحد منفذي الحادث الأليم ، قائلا أن صاحب المنزل الذي أقام فيه الضحايا وقت وقوع الحادث المدعو ” سنوسي ” تعرف علي أحدهم من صوته و طريقة حديثه وايضا عينيه اللتان ظهرا تحت اللثام وناداه باسمه ” عيد سعيد ” وهو شاب مصري يعيش بمنطقة جاروثة مؤكدا أن الأخير خاف من انكشاف أمره فارسل لصاحب السكن رسالة تحذيرية تحثه علي عدم الادلاء بصوته تحت اى ظرف و الا عرض حياته للخطر .
ووجه عنتر حديثه إلي السفير المصري بدر عبدالعاطي قائلا ” اللي عينك في منصبك ظلمك ..وحديثك حول أننا عمالة غير شرعية وتسللنا للسفر إلي إيطاليا عبر الأراضي الليبيه يوضح أنك ..مسئول غير مسئول ..ورغم كونك سفير إلا أنك تجهل أن مدينة طرابلس وحدها التي تحوي طريق إلي إيطاليا عبر أحد شواطئها ولكن بنغازي لا تملك ذلك “.
” وليم” كلمة السر في حادث بني غازي الأليم يؤكد لـ” الموقع ” أن السبب في طلب منفذي الحادث الأليم له أنه معروف بلقب ” شيخ النصاري ” بعد قضائه 24 عاما داخل الأراضي الليبيه مشتغلا في مهنة ” مقاول عقارات” ،مضيفا أنه علم من صديقه المقرب قبل يوم من الحادث أن هناك مخططا إرهابيا يستهدف الأقباط المقيمون في منطقة جاروثة بمدينة بني غازي .
ضحية إجازة نصف العام
بينما تروي والدة ” أيوب روماني ،14 سنه ” اصغر ضحايا حادث بنغازي تفاصيل وفاة ابنها قائلة:” إبني استأذن من أبوه علشان يسافر يشتغل في ليبيا في أجازة نصف السنة مثل باقي أطفال وشباب القرية علشان يقدر يحوش مصاريف مدرسته وثمن الجزمة و الشنطة له ولإخواته وكان فرحان لما إتصل بيا آخر مرة علشان الدراسة أتآجلت علشان يقدر يحوش مبلغ أكبر ” و تكمل في حزن :” فرحته لم تكتمل ” .
عداد كهرباء وراء تعذيب عائلة مسيحية في بنغازي
حادثة بنغازي ضمن سلسلة لا تنته من وقائع الاضطهاد والتعذيب ضد الأقباط في بنغازي ، كان ” ايمن ” 28 سنة –حاصل علي دبلوم تجارة “أحد أبطالها حيث لم ينس تفاصيل تعذيبه حتى اليوم و ظلت محفورة في ذاكرته ، البداية كما يحكيها حين أوشك أن يدفع حياته وأشقائه الستة ثمنا لعداد كهرباء بعد أن هربوا من قريتهم الصغيرة “فزارة “بنجع مخيمر بمحافظة سوهاج أملا في استخراج التراخيص التي تمكنهم من إدخال النور علي ورشتهم الصغيرة التي تعد مصدر رزق عائلتهم الوحيد، مضيفا :” عجزت عن دفع الرشاوي لإستخراج الترخيص ،و رفضت اغراءات كثيرة بسرقة وصلة كهرباء من الشارع فقررت مع اخوتي السفر إلي ليبيا للحصول علي ثمن عداد الكهرباء “.
“ايمن ” واحد من بين ألفي شاب مسيحي حلموا بعداد الكهرباء أو لقمة سائعة أو أشياء آخري ، فأصبحت الهجرة هي الحل الوحيد تتوارثوا شبابهم جيلا بعد جيل ، قائلا : شباب كثيرة من أبناء قرية فزارة بنجع مخيمر يعملون في النجارة و البناء في قرية جروثة بإحدى ضواحي مدينة بنغازي شرق ليبيا وتوارثوا الهجرة إلي ليبيا أبا عن جد “.
قصة تعذيبه كما جاءت علي لسانه :” أواخر الصيف الماضي فوجئت أثناء وجودي بغرفتي باقتحام أشخاص يرتدون الزي الشرطي وقاموا غرفتنا التي نقيم بها في ليبيا و طالبوهم بفحص جوازات السفر لإجراء فحوصات طبية للتأكد من سلامتهم وخلوهم من الأمراض ، كان الأمر مستغربا في البداية ، لكن بعد انصياعنا للأمر اكتشفنا أنهم يرفعون شعارات جماعة أنصار الشريعة وقاموا بعصب أعيننا و قيدونا بحبال و قادونا إلي مكان مهجور اكتشفنا بعد ذلك أنه معسكر بإحدي صحاري بني غازي يوجد به أكثر من 15 مصري أيضا قاموا بتعذيبهم و أطلقوا سراحهم جميعا بعد أيام و أبقوا علي شباب قبطي “.
ويكمل :” قضينا ما يقرب من ثلاثة أسابيع قي هذا المكان المهجور بدون طعام مع وصلات التعذيب التبي لا تنقطع سوي بأصاتنا التي تدعوهم برحمتنا حيث قاموا بمسح الصلبان عن مياه النار و وتوصيل الكهرباء علي أنحاء مختلفة من أجسادنا تركت أثرا لا نستطيع اخفائه حتى الآن ” و يتنهد قليلا مسترسلا :” جهود الوسطاء وكبار القبائل الليبية علمت من السفارة المصرية بأمراختطافنا و نجحت بعد وقت طويل في المفاوضات في التوسط لإطلاق سراحنا “.
نهاية واقعة اختطاف ايمن و أشقائه الستة كانت بداية لسلسلة من وقائع تعذيب و اضطهاد للأقباط في أنحاء بنغازي يذكر منها حين أقدمت جماعة أنصار الشريعة أيضا عل إحراق إحد الكنائس و إختطفوا كاهنها لمدة ثلاث أيام متواصلة و أجبروه علي التخلص من لحيته بعد كي وجهه بالنار ، و بعدها بساعات قليلة قاموا بتعذيب مسيحي أمام أعين شقيقة و أمروه بقتله ثم قاموا بعصب عينيه و أطلقوا الرصاص عليه حتى فاضت روحه ” .
لا تغيب تلك العبارة عن عيون ” ايمن ” اللي يسلم واحد نصراني سيحصل علي 10 ألاف درهم ” مكتوبة بخط عريض علي معظم حوائط ليبيا ، خاصة منطقة “ديرما ” التي لايجرؤ مسيحي علي دخولها لانها مستوطن أنصار الشريعة في ليبيا .
التهجير أو دفع الجزية ضريبة العيش مع المسلمين
ومن جانبه أكد ثروت بخيت ، محامي الكاتدرائية للدفاع عن ضحايا ليبيا ،إن فريق الدفاع عن ضحايا حادث ليبيا يسير يعمل في مسارين أولهما تقديم طلب إلي النائب العام المستشار هشام بركات خلال الأيام القليلة المقبلة لندب فريق من النيابة العامة لمباشرة التحقيقات في ليبيا ومتابعتها أولا بأول ، بالإضافة إلي تقديم طلب إلي الحكومة الليبية لصرف التعويضات الإجتماعية بتخصيص معاش ثابت لذوي الضحايا أوتعويضات مالية تصرف علي دفعة واحدة .
ويعزز بخيت من حديثه قائلا أنه ورد إليه معلومات أن الجماعات الإرهابية وقعت علي ميثاق في سوريا يقضي بتهجير وقتل المسيحيين في أغلب بلدان الوطن العربي منهم ليبيا و سوريا و لبنان والعراق أو دفع النصاري جزية نظير عدم دخلوهم الإسلم في ظل تعايشهم مع المسلمين في البلدان العربية .
وشدد بخيت علي أن قضايا الإرهاب لاتسقط بالتقادم ،مشيرا إلي كون ليبيا تعيش في اللا دولة لذا في حال عدم تحقيق العدالة الناجزة و القبض علي المتورطين في قتل 7 أقباط مصريين ومحاكمتهم سيلجأ فريق الدفاع إلي تقديم شكوي في المنظمات والمحاكم الدولية للحصول علي حقوق الضحايا .