لم يعد خافيا أن كرة القدم أصبحت صناعة هائلة الاستثمارات، ومن أكثر المجالات ربحية حول العالم، فعلى سبيل المثال يبلغ حجم الأموال المتدفقة على أندية القارة الأوروبية من الشركات الراعية نحو 14 مليار يور، فضلا عن المكانة العالمية التي باتت تتمتع بها إمبراطورية الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” الذي يبلغ عدد الدول الأعضاء به 211 دولة، ويصل عدد اللاعبين المسجلين حول العالم إلى 250 مليون لاعب، وعدد الأندية 301 ألف نادٍ.
هذه الأرقام الكبيرة لا تجعل كرة القدم واحدة من أكبر الألعاب شعبية فحسب، بل الأهم أنها تعتبر من أكثر المجالات تأثيرا على الشعوب، ويتضح ذلك من حجم الاهتمام والمتابعة الجماهيرية لمباريات الكرة، التي تصل أوجها في كأس العالم.
ولذلك لا يبدو غريبا أن يحرص الساسة على الاهتمام بكرة القدم، ولعل يوم أمس الذي شهد حضورا سياسيا قويا على خلفية المونديال خير دليل على ذلك، فبينما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تستضيف بلاده النسخة الحالية من كأس العالم، يوجه كلمة للترحيب بالفرق والجماهير التي تتوافد على بلاده، مستغلا المناسبة لتأكيد مكانة روسيا التي تتعاظم في السياسة العالمية، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي يستقبل بعثة المنتخب الوطني لكرة القدم في قصر الاتحادية، في لقاء مفتوح، طالب الرئيس خلاله اللاعبين بإسعاد المصريين، وتقديم صورة مشرفة للبلاد.
ويتكرر مشهد الاحتفاء السياسي بالمنتخبات المشاركة في كأس العالم في دول عدة، فكرة القدم صارت ـ إن جاز التعبير – “أفيون الشعوب” في عالم اليوم، وتوظيفها سياسيا أصبح أمرا معتادا، فالنجاحات التي تتحقق في ملاعب الكرة، يمكن أن تخفف من وطأة الكثير من الإخفاقات في عالم السياسة، فضلا عن أن الإنجازات الرياضية تصعد بمؤشرات الشعبية للحكومة والنظام السياسي، والانكسارات في ساحات المنافسة الكروية يمكن أن تفتح باب التململ الشعبي من كثير من السياسات.
ويبدو من المثير أحيانا أن تجد دولا تراهن على الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة، في بناء وتحسين صورتها العالمية، ولا يقتصر الأمر على دول صغيرة مثل قطر، على سبيل المثال، التي تستثمر المليارات سنويا في المجالات الرياضية، وباتت استضافة كأس العالم 2022 مشروعها الوطني الوحيد تقريبا، بل إنها تسعى إلى استغلال كرة القدم كباب خلفي للتسلل إلى قلب أوروبا، فاشترت أندية عريقة مثل باريس سان جيرمان الفرنسي، وملقا الأسباني، وتدفع سنويا 300 مليون يورو لتضع شعار مؤسسة قطر «Qatar Foundation»، والخطوط الجوية القطرية على قمصان لاعبي برشلونة.
ويصل الأمر بدول كبرى مثل الصين إلى أن تنتهج النهج نفسه، فقد أعلن الرئيس الصيني أن كرة القدم ستصبح جزءًا إلزاميًا في المناهج الوطنية بالمدارس، و أقرَّ خطة لتطويرها على مدى 10 سنوات تنتهي عام 2025، والهدف الرئيسي هو التأهل لكأس العالم واستضافة بلاده البطولة، والهدف المنشود هو تحقيق بطولة كأس العالم.
فالصين تسعى للظهور بشكل أفضل على الساحة العالمية، ويتطلع الرئيس بذلك لتعزيز الوضع الاقتصادي والسياسي من خلال الرياضة، وتحويل الصين إلى قوة عظمى في عالم الكرة، لأنها تريد أن تكون مسيطرة وناجحة في كافة المجالات، وهدفها الارتقاء إلى مكانة تحظى فيها باحترام عالمي، وكرة القدم وسيلة جيدة لتحقيق هذا الطموح.
كرة القدم لم تعد لعبة بين أقدام اللاعبين، بل صارت أيضا هدفا مشروعا في اهتمام السياسيين.