«ياللي بتسأل عن الحياة.. روح شارع كلوت بك»، تلك العبارة ليست مطلع لأغنية أو قصيدة شعرية، إنما هي واقع لذلك الشارع، المليء بالتناقضات، والمفعم بالحركة والحياة على مدار اليوم، صباحًا ومساء.
في هذا الشارع تجد السوريات الهاربات من الصراع الدائر في سوريا، وقد اعتلت وجووهم ملامح البؤس والشقاء، حتى الصغيرات منهن، بدت عليهن ملامح الكبر وكأنها تبلغ 100 عام، كما تجد أيضا طلاب الأزهر الباحثين عن مكان للإقامة به ليلة واحدة أو ساعات قليلة، قبل أن يحين موعد مغادرة القطار العودة إلى ديارهم في المحافظات البعيدة عن صخب القاهرة، بعد أن قامت إدارة الجامعة بإخلاء المدينة السكنية لحين الإنتهاء من الانتخابات الرئاسية، كما تجد فنادق تطلق على نفسها «فنادق خمس نجوم» بينما يعد روادها أصابعهم وهم يغادرونها، خشية من أن تكون سُرقت أحدهم أثناء هيمنة سلطان النوم عليهم.
• تاريخ الشارع
افتتح شارع كلوت بك حوالى عام 1872، و سمى باسم الطبيب «كلوت بك» مؤسس مدرسة طب قصر العينى، أيام محمد علي باشا، واشتهر الشارع بعد الحرب العالمية بأنه مكان لممارسة الدعارة والترفيه عن جنود الإحتلال الإنجليزي وقتها، ولكن بمرور الوقت تلاشت تلك السمعة شيئًا فشيء، ليصبح الشارع الذي يبدأ من ميدان رمسيس عند رأس شارع الفجالة «شارع كامل صدقى اليوم»، وينتهى عند ميدان الخازندار، عند الطرف الشمالى الغربى لحديقة الأزبكية، ويعتبر هذا الشارع مسرحًا للحياة بكل أنوعاتها.
• احترس أنت في فندق بـ«كلوت بك»!
«على اليمين قدام بس خلي بالك من حاجتك»، عبارة ستمسعها إن سألت صاحب متجر أو صبي بمقهى في شارع «كلوت بك» عن مكان فندق للمبيت فيه، فغالبا ما تشهد الفنادق الكائنة بالشارع، والتي يفوق عددها العشرات، بإسعار متفاوتة تبدأ من 10 جنيهات في الليلة، وحتى 70 جنيهًا في الفنادق التي يطلق عليها البعض «7 نجوم».
وبعد المبيت، تنشب حالات عراك بين أحد النزلاء وصاحب فندقًا، بسبب فقدان الأول لهاتفه الخلوي أو حافظة نقوده أو حذائه!، أثناء قضاء ليلته بالفندق، يتجمع على إثرها المارة وأصحاب المقاهي والدكاكين المجاورة للفندق، ودائمًا يُخلِّي صاحب الفندق مسئوليته أمام الجميع بلافتة علقت على مدخل الفندق تقول «الإدارة غير مسئولة عن حماية المتعلقات الشخصية»، وكأنها تمهيد لكارثة مقبلة.
«الموقع نيوز»، دخل أحد هذه الفنادق، لقضاء ليلة والتعرف عن كثب على هذا العالم المليء بالأسرار..
أولاً.. الغرف بدون أبواب، لاشيء يحمي خصوصياتك ويجعل مشهد نومك في هذه الغرفة مشاعٍ، ولكن بإمكانك حماية متعلقاتك الشخصية، من خلال «ملاية»، فعلت الثقوب بها أفعالها، فتحولت إلى «خرقة بالية» تفضح أكثر ما تستر، كما تنتشر أنواع فريدة من الحشرات بالغرفة، التي تسيطر عليها الإضاءة الخافتة، وكأنك داخل إحدى الزنازين.
في البداية تسائل صاحب الفندق، «البهوات منين.. لو من القاهرة أو الجيزة أو القليوبية مفيش أوض»، فأخبرناه أننا من المنصورة، وبعد إظهار الأوراق الرسمية الدالة على صدق حديثنا، بدأ في تفتيش محتاويات حقيبة الزميل «محمود العراقي» المصور، لمنع دخول الكاميرا، وينتابه الشك في هويتنا ويؤثر غلق الأبواب في وجهنا عن استضافتنا.
• السوريات الهاربات من رحايا المعركة
بعد خروجنا من الفندق، لفت انتابهنا تواجد عدد من السوريات، وقد ارتدين الملابس زاهية الألوان، وأتشحت روؤسهن بالشالات السوداء التي تتناسب مع كم الحزن والبؤس الساكن ملامح وجوههن، بسبب ترك بلدهن والتسول في شارع كلوت بك ليلاً، أملاً في الحصول على بضعة جنيها تحصل من خلالهم على قليل من الخبز والجبن، لسد أفواه أطفالهن الجياع.
ورفضن النساء السوريات التصوير، بعبارات مدلولها بالعامية المصرية «ارحموا قوم عزيز ذل»، ولكنهن تحدثن معانا عن تبدل الحال من وجود سكن في ريف حلب إلى سكنة الخيام في حواري متفرعة من شارع كلوت بك، ومن زراعة الإرض وفلاحتها إلى تسول اللقمة من المارة، ومن رواد «كلوت بك»، أو أصحاب الدخول المحدودة والمعدومة في بعض الإحيان، ومن الأمان إلى الخشية من التحرش والإعتداء من قبل بعض الشباب معدومي الإنسانية، بحسب وصفهن.
• طلاب الأزهر
وعلى أحد المقاهي، التي تبعد عن الفندق بخطوات قليلة، جلس مجموعة من طلاب جامعة الأزهر، الذين دفعهم قرار الإدارة الجامعية بإخلاء المدينة السكنية لمدة أسبوع وحتى انتهاء الانتخابات الرئاسية، إلى الجلوس عليها بحثًا عن غرفة في أحد الفنادق لقضاء ساعات قليلة من النوم والراحة، قبل أن يأتي موعد القطار ليعدهم إلي ديارهم في محافظات الصعيد.
الطلاب أكدوا لـ«الموقع نيوز»، علمهم المسبق بالقرار، وأن عملية الإخلاء تمت دون أي انتهاكات، وإنما بشكل طبيعي، وما دفعهم إلى التواجد بـ«كلوت بك» هو سوء تقدير الوقت، وتأخرهم على موعد القطار، ليضطروا إلى إنتظار القطار التالي.
تقرير: رامز صبحي ــ تصوير: محمود العراقي