ربما يظن من يشاهد فيلم 300 الشهير – بجزئيه للمخرج زاك شنايدر – انه مجرد فيلم جرافيك خيالي للتسليه واستعراض هوليوود لامكانات التصوير و الجرافيكس التى تملكها .. إلا ان الأمر غير ذلك تماما حيث يصور الفيلم احداثا حقيقية رواها الشاعر والمؤرخ اليوناني الأشهر هوميروس .
وقد سمي الصراع بين الفرس والاغريق بالحرب الميديّة وهي سلسلة حروب ومعارك طويلة خاضتها المدن اليونانية القديمة في الفترة من 492 – 449 ق . م لصدّ حملات الفرس عليها .
أطلق الحملة الاولى الامبراطور الفارسي داريوس الاول عام 492 ق م واستهدفت مدينة مارثوان الشهيرة إلا انها لم تكن على نطاق واسع فيما كانت الحملة الثانية هي الاكبر والاشهر وقادها الامبراطور خشايارشا أو أخشويروش الأول الذي كان مشهورا بزريكسيس و كانت عام 480 ق . م حيث اجتاح اليونان بجيش عظيم قيل انه اقترب من الربع مليون جندى .
وخلال هذه الحملة لم تحارب كل المدن اليونانية الفرس حيث وقف بعضها على الحياد فيما قبلت مدن اخرى بالتحالف مع فارس والخضوع لها إلا ان المدينة الابرز التى رفضت الخضوع كانت اسبرطة الشهيرة .
وبحسب رواية هوميروس فقد أرسل زريكسيس رسلا إلى ملك أسبرطة ليونايدس يطلب منه الاستسلام و ان تنضم أسبرطة الى المستعمرات الفارسية او على الاقل تقبل التحالف معه إلا أن ملك أسبرطة رفض العرض وفضل المواجهة والموت على خيار الاستسلام والخنوع .
وقرر ليونايدس مواجهة الجيوش الفارسية قبل وصولها إلى أسبرطة فخرج اليهم ومعه 300 من أشجع مقاتلي أسبرطة واختار أرض المعركة ممر ” ترموبيل ” الشهير ويعني بالاغريقية ” البوابات الساخنة ” وهو موقع استراتيجي لا يسمح عرضه بمرور أكثر من 18 رجلا وعلى يمينه توجد حافة جبلية شاهقة .
وواجه ليونايدس ورفاقه ال 300 جيش زريكسيس البالغ – بحسب رواية هوميروس – نحو 180 ألف جندي و استمرت المعركة نحو ثلاثة ايام إلا انها تؤكد في جميه الاحوال على شجاعة وبسالة جنود أسبرطة وحنكة قائدهم ليونايدس العسكرية و بالطبع انتهت المعركة بهزيمة الاسبرطيين ومقتل جميع الإسبرطيين الثلاثمائة ما عدا واحدا فقط هو من رجع إلى إسبرطة وأخبرهم بالقصة ووصية ليونايدس ” تذكرونا ” .
وبغض النظر عما اذا كانت الهزيمة بسبب خيانة أحد سكان الإغريق المحليين ويدعى ” إفيالتس ” والذي دلهم على طريق مكنهم من حصار ليونايدس وجنوده حسبما جاء في أحداث الفيلم فإن المؤكد ان النتيجة كانت واحدة بسبب التفوق العددي الكاسح فلا يعقل ان يهزم ال 300 جندي 180 الفا مهما بلغت شجاعتهم ومهارتهم .
الا ان استمرار المعركة لايام و ليس لساعات تؤكد بما لايدع للشك براعة اليونانين – خاصة اهل اسبرطة و اثينا – في استخدام إستراتيجية حربية متقنة بالاستفادة من الأرض والتضاريس التي تمنحهم الأفضلية في أية معركة يخوضونها على أراضيهم حتى لو كانوا لا يتمتعون بكثرة عددية مقابل أي جيش يواجههم وهذا الأمر تحقق في ثلاث معارك هي معركة ماراثون ومعركة البوابات الساخنة في ترموبيل و المعركة البحرية سلامينا التى سيأتى ذكرها لاحقا .
وعقب التغلب على ليونايدس ورفاقه تواجه الفرس واليونانيين في معركة أخرى كبيرة ” آرتيميس ” انتهت ايضا بخسارة كبيرة في صفوف الجيش اليوناني و تراجعه إلى الخلف مما سمح للفرس بغزو بويوتيا وأتيكا و الاستيلاء على اثينا و احراقها بالكامل بينما إنسحبت القوات اليونانية إلى موقع بالقرب من جزيرة سلامينا وبدأت الاستعداد للدفاع عن برزخ ” كورنث ” .
وخلال هذا الوقت تمكن القائد ” ثميستوكوليس ” من قيادة جيش يوناني كبير نسبيا بعد ما نجح في اقامة تحالف من المدن اليونانية القديمة لمواجهة الجيوش الفارسية وواجه الاسطول البحري الفارسي الضخم المكون من 800 مركب بأسطول لايتجاوز ال 380 مركب وذلك في المعركة البحرية ” سلامينا ” .
جرت معركة سلامينا – والتي تمثل القمة في تاريخ مرحلة الغزو الفارسي الثاني لبلاد الإغريق – بالقرب من بحر إيجة في مضيق سلامينا بين البر اليونانى وجزيرة سلامينا وهي جزيرة في خليج سارونيك بالقرب من أثينا .
وكان ثميستوكوليس قد تمكن من اقناع التحالف اليوناني باستدراج الأسطول الفارسي لمعركة جديدة على الرغم من التفوق العددي لجيش فارس على أمل أن النصر في تلك المعركة سوف يمنع العمليات البحرية الفارسية لغزو إقليم البيلوبونيز في المقابل كان الملك الفارسي زرکسيس أيضاً يتشوق إلى نصر حاسم على اليونانيين .
ونتيجة لحيلة محبوكة من ثيمستوكوليس نجح في دفع أسطول زرکسيس نحو مصيدة بحرية أعدها له الأسطول اليونانى ، فأبحر الأسطول الفارسي إلى مضيق سالاميس حيىث احتشدت السفن اليونانية في المياة الضيقة ، وحاول سد مداخل المضيق ظناً منه أن اليونانيون يسعون للهروب .
كانت الأعداد الكبيرة لسفن الأسطول الفارسي في المضيق عائق مؤثر لحركة السفن وقدرتها على المناورة وإتخاذ التشكيلات أثناء المعركة، فكانت السفن الفارسية تكافح من أجل المناورة في مساحة البحر الضيق وأصبحت غير منظمة.
فقام الأسطول اليوناني بإغتنام الفرصة، وتشكل في خط بحرى وحقق نصراً حاسماً على الأسطول الفارسي، وغرقت أو أسرت ما لا يقل عن 300 سفينة فارسية.
وعلى أثر تلك المعركة ، إنسحب زرکسيس بجيوشه إلى آسيا وترك قائده ” ماردونيوس ” لإستكمال غزو اليونان .
الإ انه و في العام التالي تعرضت فلول الجيش الفارسي للهزيمة بشكل حاسم في معركة ” بلاتيا ” وتم تدمير ما تبقى من الأسطول الفارسي في معركة ” ميكال ” قبل ان يتقهقر الفرس بسبب انقطاع المؤونة وتابعهم اليونانيون حتى شواطئ آسيا وحقق القائد اليوناني ” قيمون ” انتصاراً مزدوجاً على الفرس في البر والبحر 468 ق.م .
وتلا ذلك فترات هدنة إلى أن انتهت الحرب بعقد الصلح والهدنة في عاصمة الفرس شوش بين كالياس اليوناني وأرتحششتا 449 ق . م حيث تضمن هذا الصلح بندا بمنع دخول السفن الفارسية إلى بحر إيجه، واحترام حرية التجارة في المدن اليونانية والساحل الفارسي في الاناضول .