يبدو أن القدر سيبتسم أخيرا للفقراء في مصر، بظهور جهات مسئولة عن العمل الخيري والتنموي بشكل مؤسسي ممنهج ومدروس على أعلى المستويات، وتدار بفكر إدارة المؤسسات الاقتصادية الكبرى، وهو ما يجعلها قادرة على تحقيق أهدافها في وصول الدعم للمستحقين، وتحسين أحوال معيشة عدد غير قليل من المواطنين، والنهوض بمنظومة التكافل والعمل الخيري.
وتبرز أهمية هذا النموذج في ظل مشكلة مترسخة في مصر تتمثل في حصول غير المستحقين على الدعم النقدي والعيني الذي تقدمه الدولة من خلال موازنتها ووزارة التضامن الاجتماعي.
هذه المشكلة تعد أحد أسباب عجز الموازنة العامة للدولة، فاتساع دائرة المواطنين الذين يحصلون على دعم في شكل سلع تموينية، أو مواد بترولية وغيرها من الخدمات، رغم ارتفاع مستوى معيشتهم، يحمل الدولة تكلفة كبيرة تنعكس بشكل سلبي على الأداء المالي، وفي الوقت نفسه ينتقص من حصة الفقراء في الدعم، ويجعلهم في أشد الحاجة لمن يلبي تطلعاتهم في المعيشة الكريمة.
“بنك الطعام” تجربة ناجحة بالفعل، ليس بشهادة عمله في مصر، ولكن بشهادة الأمم المتحدة ومنظماتها التابعة، وكذلك بشهادة نحو 100 دولة أرادت تطبيق نموذج بنك الطعام الناجح في توفير احتياجات الفقراء، بعد النجاح الذي حققه خلال الفترة من العام 2006 إلى العام 2017 على مستوى توفير الغذاء للأشد فقرًا، ومساندة الشباب الراغبين في الحصول على تدريب للتأهيل لسوق العمل، وكذلك تأسيس بنوك للشفاء والكساء بهدف توفير المهارات والمعيشة الكريم.
بدأت الفكرة عام 2006 من قبل بعض رجال الأعمال الراغبين في مساندة جهود التنمية في المجتمع بهدف القضاء على الجوع، فأسسوا بنك الطعام، ومنهم الدكتور معز الشهدي، الفندقي المعروف وأحد المؤسسين، والرئيس التنفيذي الحالي للمؤسسة.
يقدم بنك الطعام خدماته من خلال تسعة آلاف جمعية، استطاع الوصول إليها بعد وضع معايير واضحة للعمل، وانتقاء الجمعيات، وتنقيح قواعد البيانات لمنع الازدواجية في الحصول على الدعم من قبل المواطنين المستحقين.
وبعد مرور نحو 12 عامًا على إنشاء هذه المؤسسة فإننا يمكن أن نتحدث باطمئنان عن مؤسسة تعد صرحا غير مسبوق للعمل الخيري، يمارس دوره بأكثر المعايير العلمية والإدارية دقة، ويشرف عليه مجموعة من رجال الأعمال الناجحين، ويضم 420 موظفًا دائمًا، وأكثر من 50 ألف متطوع أو عدد غير معروف من المتطوعين حسبما يقول الرئيس التنفيذي للبنك.
بنهاية العام الماضي استطاع بنك الطعام الوصول ببرنامجه “مكافحة إهدار الطعام” لتكوين 19 مليون وجبة سنوية من طعام الفنادق الذي كان يتم التخلص منه في الماضي، بعدم أن تم وضع نموذج ومعايير تشغيل للبرنامج تضمن الاستفادة من الطعام الفائض، وتجهيز وجبات بمواصفات صحية، وهو ما دفع الأمم المتحدة لدعوة ممثلي البنك، للمشاركة في مؤتمر دولي، والحديث عن الفقر والجوع في العالم، وبعد أن كشف البنك عن نظام مكافحة إهدار الطعام، طالب مسئولو الأمم المتحدة باعتماد النظام كملكية فكرية لبنك الطعام، وتصديره للدول الأخرى، للمساعدة في تحقيق أهداف الألفية.
واستطاع البنك ـ من خلال برنامج الإطعام الشهري للأسر عبر الوجبات الجافة ـ تقديم أكثر من 3 ملايين وجبة شهرية، بجانب صكوك الأضحية، وبرنامج التغذية المدرسية.
ولتحقيق الاستدامة استطاع البنك ـ من خلال مساهمات الشركاء والتبرعات ـ تنفيذ استثمارات ضخمة تحقق أهدافه في القضاء على الجوع، وتوفر المزيد من الموارد.
ويمتلك البنك حاليا 3 مزارع تسمين، تضم أبقارا مستوردة من أعلى السلالات في العالم، وشركة للنقل، ومصانع للتعبئة والتغليف، كما يدخل في مجال الزراعة لتقليل تكلفة شراء السلع من الموردين. بنك الطعام كان يطمح للقضاء نهائيًا على الجوع بحلول 2020 ولكن بعد الظروف الاقتصادية الصعبة التي رفعت معدل الفقر لنحو 27.8% يعيد البنك حاليًا دارسة الأمر، لتحديد توقيت تحقيق هدفه.
المهم في كل هذا الأمر ليس الإنجازات، ولكن النظام المؤسسي والإدارة المحترفة التي حققت نجاحًا كبيرًا لمشروع خيري، وهو ما قد يؤسس لنماذج أخرى تستطيع إصلاح أحوال ملايين من المصريين الفقراء.