الأمر غير مرتبط بأبراج العلمين، أو قرب طرح الوحدات السكنية بالعاصمة الإدارية الجديدة، لأن هذه الطروحات كانت موجودة ضمن خطة شاملة لتوفير وحدات الإسكان لجميع فئات المواطنين، بداية من محدودي الدخل إلى قيادات الحكومة.
هذه المرة قررت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلغاء المرحلة الثالثة من مشروع الإسكان المتوسط “دار مصر” بالقاهرة الكبرى، ليتم إضافة حمامات سباحة له، وبحيرات صناعية، ثم يُطرح في صورة “كمبوند” مغلق تحت اسم “إسكان فاخر”.
نفس العمارات، ولكن سيتم إعادة تنسيق الموقع والمساحات الخضراء “اللاند سكيب” والخدمات التي ستُقدم للملاك.
هذا التطور يرجع إلى اهتمام الدولة باستدامة مشروعات الإسكان، وهذا يتطلب تحقيق ربح معقول كاف لاستقلالية هيئة المجتمعات العمرانية عن الدعم الحكومي.
أدى هذا التفكير الاستثماري لارتفاع أسعار الوحدات عن فئة الدخل الموجهة إليهم، وانخفاض جودتها عن الفئة القادرة على شرائها، واختارت الحكومة الانحياز لاستدامة المشروع بدلا من الانحياز لتحقيق الهدف من المشروع نفسه، فأضافت بعض علامات الرفاهية، مثل حمامات السباحة، ثم تقديم نفس الوحدات للفئة الراغبة في السكن المتميز.
أما فئة محدودي الدخل فستظل تعاني من أزمة الوحدات المُغلقة في مشروع الإسكان الاجتماعي المُدعمة التي يتم “تسقيعها”، نتيجة عدم تناسبها مع احتياجات وإمكانيات فقراء مصر، ووضع كثير من العراقيل أمام تملك العاملين بالقطاع غير الرسمي، وهم أغلبية سكان مصر، والأغلبية الساحقة من الفقراء، حيث يُطلب من أصحاب الأعمال الحرة والعاملين بشكل شبه رسمي ومن هم على المعاش دفع أكثر من ضعفي المُقدم الذي يدفعه الموظفون الرسميون، وتظهر نتيجة ذلك في أن 5٪ فقط من الوحدات على مدى السنوات الثلاث الماضية تم تخصيصها لمن لا يعملون بشكل رسمي، فيما ارتفعت النسبة لـ 19% خلال السنة المالية الحالية 2107/ 2018 بعد تغيير بعض الشروط.
وفي النهاية نجد نموذجا صارخا على فشل الاستهداف، وهو أن جهاز مدينة قنا الجديدة قام بتسليم 1000 وحدة إسكان اجتماعي لمستحقيها، لم يتم شغل أي وحدة منها.
أما متوسطو الدخل فقد قررت الدولة التراجع عن مشروع “دار مصر”، المناسب لهم من حيث طبيعة السكن، على عكس مشروع “سكن مصر” الذي شهد ضعفا واضحا في الإقبال، نتيجة ارتفاع سعره مقارنة بجودته.
ووفقًا لبحث الدخل والإنفاق الأخير لعام 2015، ينفق المصريون على السكن ومستلزماته، من فواتير كهرباء ومياه وغاز، حوالي 17.5% من الدخل، وتتجاوز قيمة الأقساط لعدد كبير من مشروعات الإسكان المطروحة حاليًا حوالي 3 آلاف جنيه شهريًا، وهذا يعني أن الإسكان “المتوسط” الذي كانت الحكومة تطرحه يستهدف مواطنا يتجاوز متوسط دخله 17 ألف جنيه شهريًا، بينما يبلغ متوسط دخل أغنى 10% من المصريين، وفقًا لنفس التقرير، حوالي 5 آلاف جنيه، وهكذا كانت الحكومة تطلب من أغنياء مصر أن يتقشفوا ليسكنوا سكنا متوسطا، لذا كان الأكثر معقولية واستدامة أن تتم إضافة بعض الكماليات حتى يقتنع أغنياء مصر بأن يتقشفوا قليلًا ليحصلوا على الإسكان الفاخر.