بينما تتجه أغلب السياسات الأمريكية في الوقت الحالي إلي “الحمائية”، وبينما تشتعل في الأفق حربا تجارية نتيجة سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التجارية مع المنتجات الأجنبية، تأتي الأصوات المطالبة بإقامة اتفاقية تجارة حرة بين مصر وأمريكا كصوت مخالف تماما للموجة الأمريكية الجارية.
التقارب الواضح بين القاهرة وواشنطن منذ فوز الرئيس الأمريكي الحالي وزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي العام الماضي للعاصمة الأمريكية كان دافعا لمجتمع الأعمال في مصر وفي المقدمة منه غرفة التجارة الأمريكية للإصرار على طرح التفاوض بشأن اتفاقية للتجارة الحرة بين البلدين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة هو: هل الوقت الحالي مناسب لمصر لإبرام مثل هذه النوعية من الاتفاقيات؟ وما العائد على مصر؟ وهل الصناعة المحلية جاهزة للمنافسة أمام البضائع الأمريكية؟ أو المنافسة أمام البضائع الأخرى التي تكتظ بها أسواق الولايات المتحدة؟
البعض داخل مجتمع الأعمال يعتقد أن مثل هذه الاتفاقية قد تمثل “دفعة” للعلاقات التجارية والاستثمارية بين القاهرة وواشنطن، بينما يراها البعض الآخر خطوة سلبية قد تنعكس سلبا على الصناعة المحلية والاقتصاد المصري، نتيجة عدم تكافؤ الاقتصادين المصري والأمريكي، في ظل خلل واضح في الميزان التجاري بين البلدين.
وفقا لما أعلنه عمر مهنا رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي، فإن الإدارة الأمريكية تفاضل حاليا بين عدة دول في إفريقيا منها مصر وأثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا لإبرام اتفاق ثنائي للتجارة الحرة، وهو ما يأتي في إطار سعى الإدارة الأمريكية لتقليص والخروج من اتفاقيات التجارة الحرة مع التجمعات التجارية الكبرى مثل اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي التي كانت بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لخلق أكبر منطقة للتجارة الحرة، وتنصل منها الرئيس الأمريكي.
وبحسب ما يعتقده رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي، فإنه من الممكن أن تصبح مصر – بطبيعة موقعها الجغرافي – مركزا للمنتجات الأمريكية حال إبرام اتفاق للتجارة الحرة.
وخلال بعثتي “طرق الأبواب” في العامين الماضي والجاري، فإن أغلب الإدارات المختصة في الولايات المتحدة ومنها وزارة التجارة لم تبد أى رفض لمبدأ التفاوض مع مصر بشأن اتفاقيات التجارة الحرة.
وفي حال وجود مثل هذه الاتفاقية فإن الأمر سيعنى تصدير كافة المنتجات والسلع المصرية إلى السوق الأمريكية دون أية رسوم جمركية، وهي نفس المعاملة التي ستنطبق على واردات مصر من الولايات المتحدة.
بكل تأكيد فإن الميزان التجاري يميل بشدة لصالح الجانب الأمريكي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وأمريكا نحو 5 مليارات دولار، خلال عام 2016، وتحتل مصر المركز الـ 49 ضمن قائمة الدول المستوردة للولايات المتحدة بقيمة بلغت 3 مليارات و506 مليون دولار خلال 2016، مقابل 4 مليارات و752 مليون دولار في 2015.
ويرى أصحاب الآراء المؤيدة للاتفاقية أن إبرامها أصبح ضرورة في ظل التقارب المصري الأمريكي، وفي ظل الحديث عن أهمية السوق الأمريكية وحجمها بما يسهم فى إنعاش الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة، فضلا عن تفضيل ترامب للاتفاقيات التجارية الثنائية، ويدافع أصحاب هذا الرأي عن موقفهم بأن اتجاه الميزان التجاري لصالح الولايات المتحدة ليس عائقا أمام التفكير فى الاتفاقية، وأن الاتفاقية ستحفز المصانع المحلية على المنافسة وزيادة قدراتها الإنتاجية.
في المقابل يري عدد من المنتجين والمُصدرين العكس تماما، ويعتقدون أن مصر غير مؤهلة لإبرام هذه الاتفاقية، ويدللون على ذلك باتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة “كويز” والتي لم تستفد منها الصادرات المصرية ولا الصناعة بالقدر الذي كان متوقعا، حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات إلي السوق الأمريكية من بند الملابس في إطارها المليار دولار، وهو رقم ضئيل يعكس عدم قدرة المنتجين والمصدرين المصريين على الاستفادة بالقدر المطلوب من فرصة أُتيحت أمامهم لدخول الأسواق الأمريكية.
الرأى المعارض يرى أيضا أن قيمة الصادرات الأمريكية لمصر أعلى بكثير من قيمة الواردات، وأن الاتفاقية ستؤدي إلي تضرر الصناعة المحلية بشكل كبير لكونها غير مؤهلة في الوقت الحالي، بينما الرأى المؤيد يعتقد أن الوقت الحالي هو الأنسب للحاق بقطار دول سبقت مصر في هذا المضمار مثل الأردن والمغرب والبحرين.
إذن الأمر يتطلب الكثير من الجهود والدراسات لمعرفة الإيجابيات والسلبيات والفرص الحقيقية قبل الحديث عن الدخول في أية مفاوضات جادة.