قبل اتخاذ قرار تعويم سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016 كان سعر القمح المصري المحلي مرتفع بشكل ملموس مقارنة بسعر القمح المستورد، وهذا أمر مقبول لارتفاع جودة القمح المصري مقارنة بالأصناف المستوردة، بالإضافة لاعتبارات الأمن القومي، فحتى إن كانت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، فهذا لا يعني ألا نحتفظ بقدر كاف من احتياطات الإنتاج محليًا.
ولكن بعد اتخاذ قرار التعويم وتضاعف قيمة سعر صرف العملات الأجنبية أمام الجنيه، انعدم هذا الفارق، وكان في بعض الأحيان لصالح القمح المستورد، وهذا لأن الحكومة لم تقم بزيادة سعر توريد الفلاحين لقمحهم للحكومة بنفس معدل الزيادة في سعر صرف العملات الأجنبية، وبعد أن كان سعر الأردب يتراوح بين 400 و500 جنيه قبل التعويم، أصبح يتراوح بين 500 و600 جنيه بعد التعويم.
وبالأمس كشف مشروع الموازنة للسنة المالية المقبلة 2018-2019 أن الحكومة تفترض استيراد سبعة ملايين طن من القمح بسعر 220 دولارا للطن شاملا الشحن.
وذكر مشروع الموازنة الذي استعرضه وزير المالية في مجلس النواب أن الحكومة افترضت “سعر شراء للقمح المحلي يساوي سعر شراء القمح المستورد لضمان عدم وجود سوق موازية ولغلق أي تلاعب يؤدي إلى زيادة التكلفة على الدولة”، وهذا أمر مستغرب، فكيف يمكن حل أزمة الغش بتخفيض أسعار المنتج الأعلى جودة؟ وكأن الحكومة تقوم بمعاقبة أصحاب الجودة الأعلى على فشلها في منع غش أصحاب الجودة الأقل.
ويبدأ موسم تسلم القمح من المزارعين في منتصف أبريل ويمتد حتى يوليو، وتستهلك مصر نحو 9.6 مليون طن من القمح سنويا لإنتاج الخبز المدعم.
وتشتري الحكومة القمح من المزارعين المحليين هذا العام بسعر يتراوح بين 570 و600 جنيه (32.3-34 دولارا) للأردب بناء على درجة النقاوة مقارنة مع حوالي 575 جنيها للأردب العام الماضي، والأردب 150 كيلوجرامًا، ما يعني أن سعر طن القمح المحلي سيتراوح بين 215.3 دولار و226 دولار.
ورغم أن سعر القمح المستورد شامل تكلفة النقل والشحن إلى مصر، ولكن مساواته بسعر القمح المحلي يعرض مصر لعدة أخطار، أهمها عزوف الفلاحين المصريين عن زراعة هذا المحصول القومي، وبالتالي الضغط على مداخيل مصر من النقد الأجنبي، التي ستنفق على استيراد القمح، كما يعرض المواطن المصري لتقلبات أسواق المنتجات الزراعية العالمية، هذا بالإضافة إلى حرمان السوق المصري من ضخ سيولة حكومية تتمثل في مدفوعات شراء المحصول من الفلاحين، هذه السيولة التي كانت ستتسبب في زيادة تنشيط الاقتصاد.