تقوم الحكومات بدعم قطاعات اقتصادية معينة والإجهاز على قطاعات أخرى وفقا لرؤيتها لحاجات المواطنين والدولة في المدى القريب والبعيد، لذا نرى تسهيلات سخية في مجالات معينة، وضرائب وجمارك مرتفعة على سلع أخرى، وفي الأسبوع الحالي ناقشت وأعلنت الحكومة عن بعض هذه التسهيلات.
في مطلع الأسبوع أطلقت الحكومة أولى جلسات الحوار المجتمعي حول الاستراتيجية القومية للخدمات المالية غير المصرفية 2018/ 2022، والغرض الأساسي من هذه الاستراتيجية توفير التمويل للفئات المهمشة، فهي تناقش التمويل متناهي الصغر والتمويل العقاري والتأجير التمويلي والتخصيم والبيع بالتقسيط، هذا بعد نجاح تشغيل السجل الإلكتروني للضمانات المنقولة، حيث بلغ إجمالي تسجيلات الضمانات المنقولة 1.5 مليار جنيه، بعد أيام قليلة من إطلاق السجل في 11 مارس الماضي، وهذا السجل سيسمح لصغار المنتجين بالاقتراض بضمان منقولاتهم، مثل الماكينات واسم الشركة وغيرها، ما يعظم فرص نمو مؤسساتهم. كما تستهدف الاستراتيجية زيادة مساهمة سوق المال في دفع عجلة الاستثمار، وذلك من خلال تبسيط الإجراءات والإسراع في إتمام الموافقات.
وينتظر القطاع الغير رسمي حوافز ضريبية كبيرة بقانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذى يبحثه حاليا مجلس الوزراء، بهدف تحفيزها للانضمام للقطاع الرسمي، كما أعلنت الحكومة، أمس الأول، اعتزامها إتاحة حزمة حوافز للمستثمرين في مجال تحلية المياه، بينها حوافز ضريبية. هذه التسهيلات المُرتقبة والمُعلنة تعطي إشارة واضحة للمستثمرين، خاصة الصغار منهم، أن الدولة مهتمة بزيادة أعداد المستثمرين الصغار، وأوضحت لهم أي قطاعات أولى بضخ أموالهم، خاصة مع الانخفاض التدريجي لأسعار الفائدة على الودائع، ما يقلل احتمالات الادخار ويدفعنا بشدة لخيار الاستثمار.
ولكن الغريب أنه في نفس الوقت الذي تعتمد فيه الدولة على هذه التيسيرات في جذب الاستثمار، قرر البنك المركزي وقف العمل بمبادرة تمويل رأس المال العامل (دورات الإنتاج السنوية) للشركات الصغيرة والمتوسطة بفائدة مُخفضة، 12%، بسبب نصائح صندوق النقد الدولي، كما ستعاني الصناعات الصغيرة من أسعار مواد البناء المرتفعة بشدة هذه الأيام، والتي ينعكس ارتفاع أسعارها على أسعار الوحدات أو حتى تأجيرها، والسياسات الحمائية التي تفرضها الدولة على بعض مواد البناء سبب رئيسي في ارتفاع الأسعار.
إن حزم السياسات التحفيزية التي قامت بها النمور الأسيوية بعد أزمتها المالية في التسعينات كانت السبب الرئيسي في الخروج السريع من الأزمة، وكان أهم ما يميز هذه الحزم هو التناسق والتكامل، حيث كل أدوات الدولة الاقتصادية مُسخرة لتنشيط الاقتصاد، ولم يُسمح للطائر الضال بالخروج من السرب وتعطيله، ورغم أن التسهيلات الحكومية المتجددة تعد بتنشيط معقول للاقتصاد، ولكن القليل من القرارات السلبية ربما تكون العصا التي توقف سير العجلة.