متى يأتي شهر رمضان في تونس من دون “حشيشة رمضان”؟ ومتى يعي بعض المنزلقين في هذا الجب أنهم ينالون من روح الشهر من خلال تعليق أخطائهم السلوكية والتعامل مع الآخر على شماعة واهية اسمها “حشيشة رمضان؟.
2500 حالة عنف متفاوتة الخطورة سجلها قسم طوارئ بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة التونسية سنة 2010، قوامها خصومات ونزاعات واعتداءات لفظية وجسدية، تنال القيم العالية لشهر رمضان، وحالات تصل أحيانا للقتل ما يكشف خطورة الاعتقاد بهذه المسألة، فترى ما هو السبب وراء تكون هذا المفهوم الذي يطلق عليه البعض “حشيشة رمضان”، وكيف يمكن التخلص منه لدى البعض.
حجة واهنة
أولا ولنكون واضحين علينا أن نفسر ماهي حشيشة رمضان؟ وأين تروج بضاعتها ؟ وماهي مظاهرها؟ والى أي مدى تسجل لها تداعيات تنال من روحانيات شهر الصيام؟.
حشيشة رمضان ببساطة هي مرادفة لمعاني الغضب وعدم القدرة على تمالك النفس والتحكم في الأعصاب أثناء شهر رمضان بحكم الصيام والانقطاع عن شرب المنبهات كالقهوة والبعد عن التدخين، فتجد البعض ممن ينطبق عليه المثل التونسي “تمسه تسمع حسه”، أي أنه سريع الانفعال مهيئا لدخول في مشاحنات لأقل الأسباب.
وراج هذا المفهوم منذ سنوات في المجتمع التونسي وإلى حد أن البعض بات يتشبث به كشماعة للتغطية على أخطائه السلوكية الفادحة في شهر الرحمة واختبار الذات والوقوف على محك الصبر في كل شيء.
وهنا تظهر المفارقة العجيبة الغريبة، فشهر رمضان جعل لتربية النفس على الصبر والتعلق بأسمى الأخلاق والتسامح والتراحم والزكاة وتزكية النفس، وهي معاني روحانية جاء ليدربنا عليها شهر الصيام والقيام.
لكن في المقابل تطل “حشيشة رمضان” برأسها كجزء من موروث اجتماعي مبني على اجتهادات و تفسيرات مغلوطة وغير واعية بهذه القيم السامية لشهر الصيام، لتأخذ كبديهة لدى البعض الذين يتشبثون بها لتبرير انسلاخهم عن أخلاقيات الشهر الكريم، وهذا خطأ فادح في شهر يجتهد فيه الكثيرون لإصلاح أخطأهم على مدار السنة.
أقرا ايضاَ: سروج ذكية لتدريب الكلاب وتعليمها الحيل
مشاحنات
فمنذ اليوم الأول من شهر رمضان لا تنقطع قصص “حشيشة رمضان” في تونس، ومسرحها الأسواق ووسائل النقل العمومية والمؤسسات العمومية وحتى البيوت، فأينما كان هناك شخص ما يؤمن بأنه صائم ومتوتر، فان سيناريوهات الخلافات واردة في كل حين وقابلة للتأجج في أي لحظة.
وهذه السلوكيات الخارجة عن روح الشهر الكريم تجر تبعات خطيرة على قداسة الشهر نفسه وعلى الأشخاص المتشاحنين، فالانسلاخ عن أخلاق الصائم الحق مشكلة حقيقية لا بد من معالجتها ونشر الوعي حولها والتأكيد أن الصيام ليس امتناع عن الأكل والشرب فقط، وإنما منظومة سلوكية راقية في مدرسة الإسلام العريقة.
كما أن تعليق الأخطاء البشرية على وهم اسمه “حشيشة رمضان” خطأ ثان فادح، فهذا الشهر يربي النفس، ولا يطلق لها العنان لانفعالاتها ومهاتراتها.
وقصص حشيشة رمضان في الشارع التونسي تكشف عمق المصاب بسبب هذه الثقافة المغلوطة التي يؤمن بها البعض ويتحججون بها للمداراة على عيوبهم.
فوجود مثل هذه الظاهرة التي يتعلق بها البعض يحتم ضرورة الوقوف على جذورها ومعالجة أسبابها السلوكية والاجتماعية.
الازدحامات المرورية وقت الذروة في الشوارع ووسائل النقل العمومية واكتظاظ الأسواق وارتياد المؤسسات العمومية لإجراء معاملات ما وربما تأخرها، إطارات توجد في شهر رمضان وخارجه وقد تعود التونسي عامة على مضايقاتها، لذلك يجب التعامل مع مآزقها بروية خاصة في شهر يمتحن فينا الأخلاق.
ولا يجب البتة إطلاق العنان للنفس في متاهات الانفعالات الغاضبة بتلعة “الحشيشة”، فمدرسة الصيام تقوم على الأخلاق وتمتحن فينا هذا الجانب كثيرا، والسقوط في هذا الامتحان بالذات يعني أننا لم نستوعب من درس الصيام إلا الجوع والعطش.