إن طريقة التركيز لدى البعض تثير داخل نفسي الكثير من الدهشة أحيانًا والكثير من الضحك في أحيان أخرى, ولأسباب غير مفهومة تجد أحدهم يترك التفاصيل المهمة والأهداف المعلنة والأشياء الأساسية ويصب اهتمامه كله لرصد تفاصيل لا تخطر في بال الكثيرين.
يأتي مثلاً مكان جلوسي في إحدى المحاضرات بجانب زميلة لي وما أن تبدأ دكتورة المادة في الحديث والشرح حتي يصبح أغلبنا منهمك في فك الطلاسم التي تحاول الدكتورة شرحها ثم فجأة وبعد مرور حوالي تلت ساعة من الشرح وعذاب الاستيعاب أجد الزميلة بجوارى تقول بهمس مسموع: “هي الدكتور مبتسرّحش شعرها إلا التسريحة دى ليه”.
تذكرت وقتها الفنان سامي مغاورى في فيلم الباشا تلميذ لما قال: “المحاضرة الجاية تيجوا و معاكوا الصبغة” فكتمت الضحكة واكملت المحاضرة متعجبًا من طريقة تركيز الزميلة.
دخلت اليوتيوب منذ أيام بحثًا عن لقاء تليفزيوني للرائع دكتور أحمد خالد توفيق فوجدت لقاء مدته حوالي ساعة إلا ربع وبعد أن انتهيت من مشاهدته اعترتني رغبة في قراءة تعليقات المشاهدين أسفل الفيديو وجاءت كل التعليقات في سياق الإعجاب بكتابات خالد توفيق أو بافكاره وأخلاقه أو مثلاً شخص يسأل عن مكان يجد فيه أعمال الكاتب النادرة أو شئ من هذا القبيل.
ثم يظهر فجأة ذلك الكومنت ظهور “الفسيخ” داخل محل زهور وجدت فتاة قد تركت كل محتوى اللقاء من قضايا وأمور ناقشها الدكتورمع المذيعة وتركت أحاديثه عن كتاباته وأعماله لتعلق علي ملابسه باستنكار: “كرافتة بنفس لون القميص, طب ازااااى يا دكتور؟؟” معلش يا سنيورة أصل الدكتور ما كنش يعرف إنه جاى المنتدى العام لأحدث الصيحات.
أو أن اندمج في الحديث مع أحدهم حول موضوع ما فيسألني عن رأيي في الموضوع فأجيبه بالتفصيل وألاحظ أثناء حديثي تركيزه الشديد في وجهي فأعتقد أن هذا التركيز من نصيب رأيي في الموضوع لهذا أزداد حرصًا على أن تكون كلماتي واضحة ومعبرة ثم يقاطعني فجأة ليسألني: “عمرو هي الحبوب اللي في وشك دى من إيه؟”، فأجيبه في سرى: “تقدر تقول الغيظ اللي جوايا من امثالك طفح علي وشي”.
نمُر أنا وصديق لي بجوار أحد بوسترات ألبوم عمرو دياب الجديد فيدقق هو النظر في البوستر حوالي 15 ثانية ثم ينظر لي بدقة وتركيز ويسأل: “تفتكرعمرو قطع حاجبه قاصد و لا دى حادثة؟”
بحثت داخل رأسي عن نوع الحادثة التي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان ويخرج منها بحاجب به قطع منتظم ومنسق فلم أجد, ولم أجد علي لساني سوى: “دى مش حادثة القطع ده فوتوشوب يا معلم بس يلا بينا دلوقتي من هنا”.
تطول القائمة التي تتضمن مشاهد لتركيز في غير محله و من ضمنها التركيز الذى دفع البعض إلي اكتشاف ان احد الممثلين قد ظهر في احد مشاهد فيلم الناصر صلاح الدين مرتدياً ساعة يد , اتفق معك تماماً انها غلطة غريبة من نوعها بس الاغرب بصراحة ان في حد خد باله منها . اعرف انك شاهدت الفيلم مراراً و لم تلاحظ وجود هذه الساعة وهذا لانك شخص طبيعي يا صديقي اما مكتشف الخطأ فهو شخص يحاول ان يثبت انه قوى الملاحظة بينما من وجهة نظرى هو شخص “غريب” الملاحظة.
التركيز مفهوم رائع و مفيد لكن نُصِّر احيانا علي تحويله إلي مفهوم غريب و خارج حدود المألوف جدير بالذكر ان الامر غير مضر بصراحة وبرغم اثارته للدهشة الا انه مثير للضحك احياناً ولكنه في مجمله يحمل شئ من الصدمة اللحظية انها صدمة تشبه الصدمة التي ستصيبك لو سألت احدهم عن اسمه وكانت اجابته “يعني علي تسعة و ربع كده”.
ركز يا صديقي كيف تشاء لكن حاول ان يكون تركيزك في محله ركزى يا صديقتي في مضمون كلام الدكتورة و سيبك من تسريحة شعرها مش جاية في الامتحان دى , ركزى يا سنيورة في كتابات د.أحمد خالد توفيق و سيبك من الكرافتة والقميص تعليقك يرفع الضغط بصراحة, بالنسبة لهذا الذى يسألني عن الحبوب في وجهي ارجوك ان ترحم مرارتي الوحيدة تباً لك , وبالنسبة لصاحب السؤال عن القطع في حاجب عمرو ركز في اغنيات الالبوم و اترك البوستر وشأنه ارجوك , وإلي من اكتشفوا أمر الساعة في فيلم الناصر صلاح الدين كفاكم “تسييح” للفيلم أكثر من ذلك أنسوا أمر الساعة أرجوكم واستمتعوا بالفيلم أكثر.
لو كنت تنوى الاستمرار في التركيز علي هذا النحو فاسمع
نصيحتي وتوقف عن التركيز ارجوك !