كالمارد المغضوب عليه من ملك الجان كان الشعب العربى حبيس زجاجات القهر التى تم إلقاؤها فى بحر متلاطم بالآمواج.
ثم أراد الله أن يعفو ويرحــم فبعث بفتى على قارب صيد صغير إلى هذا البحر بحثاً عن الرزق لتلتقط شباكه الى جانب الأسماك هذه الزجاجات أيضاً , فتح غطاؤها فرحاً ، فإذا بالبحر وقد إمتلآ بأجساد البشر .. الكل يتنفس بشره وهو يصرخ مسروراً بعودته من جديد الى فلك الحرية , لينطلق الكل سابحاً نحو الشط حيث العودة لحياتهم السابقة والتى قد سلبها منهم عشاق الظلم والإستعباد.
كان من الطبيعى بعد أن أحسست بمرارة الظلم ألا تظلم وبعد أن أصابك سهم الخيانة ألا تخون أو تغدر ولكنها الحرية ، راية يحملها الجميع وترفرف فوق رأسه ، يحارب من أجلها ولا مانع لديه من الحافاظ عليها بدمه وماله وعرضه ، إنه الجهاد من أجل عدم العودة الى عالم القهر وتضييق الخناق على الآنفس والعقول ، جهاد من أجل إحراق جميع زجاجات الظلام .. الكل يصرخ الآن لا حياة إلا فى نور لا حياة إلا فى حرية.
أجبر الجميع على إرتداء لباس الشجاعة وصار ينتقد حاكمه ويعيب على بعض كلامه ويراجعه فيه بعد أن كان عاجزاً حتى عن إنتقاد نفسه خوفاً من العقاب ،واجبر البعض على ارتداء ثوب التبجح والبذاءة فنصب من نفسه إلهاً يعلم ما يجول بداخل كل نفس ، وانطلق يسب هذا ويخوض فى عرض هذا دون مراعاة لا لقيم دينية ولا لقيم مجتمعية ، صار عالما بغيب كل نفس من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار بل صار يعرف من يعيش الآن بيننا بعقل الثعلب ومن يعيش بعقل الحمار ، زاحم الله عز وجل فى إختصاصاته وكأنه إستكثر على الله عز وجل إستئثاره بعلم الغيب وحده وما إستئثره لنفسه إلا رحمة ورأفة بعباده حتى لا ينشغلوا عما خلقوا له ومن أجله.
أجبر الجميع على أن يتشدق بكلمة الحرية العائدة من عالم بعيد بعد أن ياس الكل من عودتها إليهم مرة أخرى ، ولكنهم مارسوها كطفل صغير محروم من لعبة وجد لها هوى فى نفسه فكم إشتاق إليها وبكى من أجلها كثيراً حتى إذا ما نالها كاد عقله أن يذهب من شدة الفرح .. وأخذ دون وعى أو إدراك يحطم كل لعبه القديمة والتى طالما سرت عن نفسه ورسمت البسمة على شفاه من جديد.
فأى حرية هذه التى تقوم على ثوابت وقيم قامت عليها شعوب سطرت أعمالها صفحات من نور فى سجلات التاريخ ، أى حرية هذه التى تهدم بدلاً من أن تبنى وتشيد ، أى حرية هذه التى تسخر من الآخر وتتصيد له الآخطاء حتى تذبحه بسكين بارد أمام الآخرين ، أى حرية هذه التى تفتقد إلى سر الحرية وهو الحب والتسامح والمصارحة وإحترام الآخر ، فالغد وبعد الغد هو مستقبل وطن بأكمله ، وطن كم أتمنى له أن يحلم بمستقبل يدور فى فللك الحرية الحقيقة بدلاً من أن يدور فى فلك من أجل ضياع القيم والهوية .