ما مقدار خوفك من الحسد والمجهول؟!.. سؤال عادي ضمن أسئلة حوار صحافي كنت أجريه منذ سنوات مع النجمة السينمائية واسعة الثقافة التي تمتلك الجمال والحضور والشخصية المميزة، فمنذ طفولتها وهي في عالم الفن والاستديوهات والكاميرات بحكم أنها ابنة مخرج سينمائي كبير، بعد برهة طويلة من الصمت أجابت بعد أن أخذت مني وعداً بعدم نشر ما ستقوله وتخبرني به ضمن الحوار، واحترمت وعدي معها ولم أنشر ما قالته، لذلك احتفظ الآن باسمها، قالت النجمة في إجابتها رداً على سؤالي: الحسد في حياتي شيء عادي جداً فكلنا نؤمن أنه موجود وكلنا نخافه ونحذره ونحتاط له بدرجات متفاوته، ورغم أنني محسودة دائماً، لكني أبداً لم أجعل الحسد يعيق حياتي واستعين على أعين الحاسدين بالقرآن لكريم.
وأضافت: لكن الذي يخيفني حقيقة ولا أدري له سبباً وأخاف التصريح به حتى لا يقولون عني إنني مجنونة، ما سأخبرك به الآن وهذا لأنك من أصول ريفية وهذا الأشياء تعتقدون في وجودها وحدوثها أكثر من أبناء المدينة.
أصوات غريبة
لم أعلق وتركتها تواصل حديثها فواصلت: منذ عدة أشهر بدأت أسمع أصواتاً غريبة لا أستطيع تمييزها هنا في منزلي، فأكون في غرفة النوم وأسمع من يتحدث في الصالون، أخرج فلا أجد أحداً ويحدث العكس عندما أكون في الصالون أسمع من يتحدث في غرفة نومي وبدأت أشعر بالخوف لأنه لا يوجد أحد يعيش معي في منزلي، ولما بدأ الأمر يتكرر لمرات عديدة أحسست أنني سأجن وقصصت الأمر على مجموعة من أصدقائي وصديقاتي المقربين للغاية والذين يثقون في كلامي، فقالوا: أحياناً من شدة الإرهاق والقلق يشعر الإنسان بأشياء وتهيؤات لا وجود لها وهذه الأشياء تزول بمجرد الراحة والاستجمام.
وتواصل النجمة: على الفور سافرت إلى الإسكندرية وقضيت أسبوعين ولم أكن أمارس فيهما غير الكسل والتأمل والاستمتاع بالهدوء، فقد كنا في فصل الشتاء، لكن راحتي لم تكتمل ففي نهاية الأسبوعين وأنا في الإسكندرية بدأت أسمع من يحدثني بأصوات غير مفهومة وأنا بمفردي ولا أحد معي فشعرت بالخوف وعدت إلى شقتي بالقاهرة على الفور واكتشفت أن الأمر بدا مخيفاً أكثر عندما بدأت ألمح أطيافاً غير محددة الملامح ولم تكن الأصوات وحدها هي التي أسمعها، وبدأ خوفي يزداد بشدة واضطررت إلى ترك الشقة وأقمت عند إحدى صديقاتي التي أشارت علي هي وباقي الأصدقاء أن استدعي أحد المشايخ يقرأ القرآن في الشقة، فقلت لهم: كما تعلمون صوت تلاوة القرآن لا ينقطع من شقتي من خلال الكاسيت ورغم ذلك لم يتغير شيء.
تدخلت لأسألها وأنا في غاية الدهشة وماذا فعلت؟ قالت: أشار عليَّ أصدقائي بضرورة اللجوء إلى أحد الذين يمارسون السحر أو هذه الأعمال، وبالفعل أحضروا لي واحداً إلى شقتي وحكيت له بالتفصيل ما يحدث معي فقال لي: إن هناك «جنياً مسلماً طيباً يعيش معك ولم يلبسك بعد لكنه لا يفارقك، زاد خوفي بشدة فطالما سمعت وقرأت عن عالم الجن لكني لم أتخيل مطلقاً أن أرى جانا أو أسمعه أو يعيش معي في شقتي وبدأت الهلاوس تدخلني وخفت أن يأخذني هذا الجن إلى عالمه كما يقولون أو يؤذيني في جسمي أو يهذب بعقلي.
وهدأ هذا الرجل من روعي وحضر إلى الشقة ما يقرب من خمس مرات، وفي كل مرة – والكلام مازال للنجمة – يطلق البخور من أنواع مختلفة ويتلو آيات القرآن وبعض العزائم، وبعد ذلك أسمعه يتحدث إلى شخص أو أشخاص لا أراهم، حتى كانت المرة الأخيرة سمعت من يرد عليه كان الصوت قريباً إلى الأصوات التي كنت أسمعها لكن لم أتبين معنى الكلام أو نص العبارات فالخوف تملكني بشدة لدرجة أنني بدأت أشعر أنني بين اليقظة والنوم، بعدها قال لي الرجل: لقد صرفنا هذا الجان وأخذت عليه عهداً بعدم الرجوع والتعرض لك ثانية، وأعطاني الرجل عدداً من الأحجبة مكتوباً فيها آيات قرآنية بحبر أحمر داكن وقال لي أضع هذه الأحجبة في أماكن مختلفة من الشقة وأداوم لبعض الوقت على قراءة آيات معينة من القرآن الكريم حددها لي، ومنذ أسابيع قليلة بدأت أشعر بالراحة وهدأت نفسي بعد أن اختفت الأصوات من شقتي.
وأنهت النجمة حكايتها قائلة: أقسم بالله لو أن أي إنسان حكى لي هذه القصة كنت سأتردد في تصديقها، لكني الآن متأكدة ومقتنعة تماماً بوجود عالم الجن وأنهم قريبون منا للغاية.
أسئلة
بعد سماعي لما قالته النجمة الجميلة وبعد مغادرتي منزلها لا أعرف لماذا صدقتها ولم أشك في أنها قالت ما قالته من خيالها، فلماذا تكذب وما هدفها من قصة كهذه؟ المهم أنني اكتشفت أننا نعيش كماً هائلاً من الخرافات والأساطير حول وعن عالم الجن والعفاريت وكل منا لديه قصة أو حكاية عن هذا العالم، ودارت في عقلي الأسئلة: هل يعيش الجن مع الإنسان؟ وهل ممكن أن يلبس الجن الإنسان كما يقولون؟ ورجعت مرة أخرى إلى بعض ما قرأته عن هذا العالم في كتب الفلكيين والروحانيين.
وقبل أن نجيب عن الأسئلة ندخل قليلاً إلى هذا العالم المجهول ونتعرف عليه، لنعلم أن الجن أجسام أثيرية ونارية مستترة «أي غير ظاهرة لها عقول تفهم ولها قدرة هائلة على التشكل بأشكال مختلفة وهم يتناكحون ويتكاثرون وهم قبائل وعشائر ولهم أنظمة وقوانين ووظائف وأعمال ومهام ومنهم من هو مسخر لخدمة الإنسان والقرآن الكريم يقول: «خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار (الرحمن: 14 و15)، والمارج هو اللهب الأزرق للنار، أي أكثر أجزاء النار لهيباً، ثم تطور الجن من النار حتى أصبح أثيرياً كما تطور الإنسان من الطين حتى أصبح لحماً وعظماً، والخلقة الأثيرية للجن أو التي أصبح عليها تجعله مستتراً لا يراه الإنسان، يدخل أي مكان ويخترق كل الحوائط والحواجز مهما كانت قوتها دون أي مجهود أو بذل للطاقة، كما يمكنه أن يدخل جسم الإنسان المادي، ولما كنا نعرف أن الأثير أسرع من الصوت فإن الجن ومن خلال هذه الخاصية يمكنه الانتقال من مكان لآخر مهما كان هذا المكان الآخر بعيداً ويتم ذلك في لحظات لأنه أسرع من الصوت والضوء. ونعود للإجابة على الأسئلة لنجد أن الجن من خلال هذه الصفات يمكنه أن يمس الإنسان كما أن له القدرة على أن يتخيل أمامه بأشكال مختلفة ولا يستطيع أحد أن يراه إلا بعض عباد الله الذين اختصهم بكرامات وروحانيات خاصة مثل الأنبياء والأولياء من ذوي الشفافية الفائقة كما أنه يأكل وينام ويموت.
الخفـــاء
لكن كيف يأكل وينام ويموت؟ قبل أن نجيب على السؤال نعرف أولاً لماذا سمى بالجن؟ كلمة جن تتكون من حرفين جيم ونون والحرفان يشكلان معنى الاستتار أي الشيء المختفي، فالمرأة الحامل نقول في بطنها جنين أي كائن حي لا نراه، والقرآن الكريم يقول في إحدى آياته «فلما جنّ عليه الليل لأن الليل يستر الأشياء عن الرؤية.
ونعود لنجيب عن السؤال لنجد أن الجن يتغذى على الدم والأبخرة فهناك جن يميل إلى البخور الطيب الرائحة وجن آخر يميل إلى الأبخرة عفنة الرائحة المتصاعدة من روث البهائم والعظام والأشياء المتعفنة، ودائماً البخور الطيب الرائحة هو طعام الجن المسلم أما البخور ذي الرائحة الكريهة فهو غذاء الجن الكافر والشياطين، ومعظم ممارسي السحر السفلي «السحر الأسود يتكون بخورهم من هذه الأشياء العفنة حتى يستحضروا هذا النوع من الجن المؤذي.
وإذا كنا قد ذكرنا أن هناك جناً مسلماً وجناً كافراً، فالجن أنواع أهمها: «العفاريت – المردة أو الشياطين – عمار المكان، والعفريت هو أشقي أنواع الجن فهو جن شقي، وقد جاء ذكره في القرآن الكريم «قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين (النمل: 39)، وهذه الآية تحديداً ربما يكون لها السبب المباشر في كل القدرات الخارقة التي تنسبها الخرافات والأساطير للجن والعفاريت، ومن خلال هذه الآية يعتقد بشكل أو بآخر أن الجن والعفاريت لديهم القدرة على فعل أي شيء في أي وقت وفي أي مكان.
والنوع الثاني من الجن ما يطلق عليهم «سكان المكان أو عمار المكان، وهذا النوع ممكن أن يتواجد في غرف المنزل أو الحمامات وهو أقرب أنواع الجن مصادقة للإنسان وهو جن غير مؤذ، أما المردة أو الجن المارد فهو نوع من أنواع الشياطين وهو النوع الذي يمس الإنسان ويؤذيه ويسبب له المشاكل والأضرار والأوجاع والأمراض.
والقرآن الكريم يقول في آياته: «إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون (الأعراف: 201)، ومن كل هذا نستخلص أن هناك الكثير من الخرافات والأساطير عن عالم الجن والعفاريت ما زلنا نعيشها وأيضاً ما زلنا نجهل الكثير عن هذا العالم المجهول.
القط المرعب
ونعود الآن إلى حكاية أخرى من حكايات الفنانين مع هذا العالم المجهول، عادت الفنانة الشابة إلى القاهرة بعد أسبوعين قضتهما في الإسكندرية حيث شعرت أنها بحاجة إلى الراحة من عناء العمل وإرهاقه وأيضاً لتزور عائلتها المقيمة هناك فهي من أبناء الإسكندرية، وعندما وصلت إلى شقتها بالقاهرة كانت الساعة العاشرة مساءً دخلت الشقة ومعها خادمتها التي تحمل حقائبها، ألقت الفنانة الشابة نظرة سريعة على الشقة تتفقدها ثم دلفت إلى غرفة النوم وبمجرد أن فتحت باب الغرفة وقفت مكانها وقد أصابها الذهول والخوف وصرخت بصوت مرتفع وبشكل لا إرادي وهي ترجع بضع خطوات للخلف، فقد فوجئت الفنانة الشابة التي دائماً ما تصف نفسها بقوة الأعصاب ويقول عنها أصدقائها «قلبها حديد وأن ما يخيف ويفزع الآخرين لا يفزعها، فوجئت بقط ضخم يجلس فوق سريرها، لونه أبيض به نقط سوداء ونظراته حادة للغاية، وقفت خائفة ولا تدري ماذا تفعل فهي لا تحب القطط ولا تقتنيها في منزلها!! عادت إلى نوافذ الشقة فوجدتها كما تركتها مغلقة بإحكام فمن أين جاء هذا القط وكيف دخل إلى الغرفة التي فتحت بابها الآن، حيث كان بابها مغلقاً ونورها منطفئاً؟!!
حاولت الفنانة وخادمتها أن تجعل القط يخرج ويغادر الغرفة بعد أن فتحت له باب الشقة ونوافذها لكن القط كان جالساً في مكانه لا يتحرك ويحدق فيهما بقوة ونظرات حادة، فأحضرت الخادمة عصا غليظة من المطبخ وحاولت أن تشيح له بها عله يخرج ويترك الغرفة والشقة فكشر القط عن أنيابه وصرح في الاثنتين فصرختا من الرعب وقالت الخادمة للفنانة: مستحيل أن يكون هذا قط عادي هذا عفريت ده أكيد جن!! خافت الفنانة وزاد رعبها وتركا الشقة وبعد دقائق كانتا أسفل العمارة واستدعت الفنانة بعض أصدقائها وصديقاتها على الفور وصعد الجميع إلى الشقة وكانت المفاجأة اختفاء القط!!
قال الأصدقاء للفنانة ربما تخيلت أو هيئ لك ما تقولينه، فأقسمت لهم الفنانة على صدق ما قالته لهم واستشهدت بخادمتها التي أكدت صحة حكايتها، فطلب الأصدقاء من الفنانة ضرورة مغادرة الشقة لأنه وفق حكايتها وما روته لهم فإن الشقة مسكونة بالجن، ذهبت الفنانة وخادمتها للمبيت عند إحدى صديقاتها وفي الصباح كانت تبحث عن شقة جديدة وفعلاً باعت الشقة ولم تدخلها مرة ثانية إلا عندما أخذت منها أشياءها وكل منقولاتها إلى شقتها الجديدة.
حكت لي الفنانة الشابة هذه الحكاية التي حدثت معها وكنا في جلسة نتحدث فيها عن الأشياء الغامضة والغريبة وغير المفهومة التي ممكن أن تصادف الإنسان في حياته ويمر بها دون أن يجد لها تفسيراً مقنعاً أو محدداً، لكن الأكثر دهشة هو ما قالته الفنانة بعد ذلك عندما سألتها: وهل مازالت تعتقدين أن القط الذي كان علي فراشك عفريت أو جن؟
قالت: في البداية صدقت ذلك، لكن بعد أن بعت الشقة بعدة شهور بدأت أشعر بالندم وأقول لنفسي لقد تسرعت وكان من المفروض أن أتأني قليلاً خاصة أنها كانت شقة عزيزة عليّ للغاية، وقلت لأذهب إلى هناك أمرّ فقط في الشارع بسيارتي وأنظر عليها من أسفل العمارة، وكانت المفاجأة عندما سألت حارس العمارة «البواب عن الشقة فقال لي: الشقة فاضية ومعروضة للبيع، باعها أصحابها بعدما اشتروها منك بشهرين فقط فقد اكتشفوا أن ساكنها عفاريت.
حاولت أن أتظاهر أمام البواب بعدم تصديق ما يقول فلا هو ولا غيره عرفوا لماذا فجأة صممت على بيع الشقة سوى أصدقائي الذين استدعيتهم ليلة الحادثة، أضاف البواب قائلاً: أكثر من مرة يرجعوا البيت في الليل يجدون قططاً ويسمعون أصواتاً وفي فجر أحد الأيام وجدوا ستائر غرفة الصالون تشتعل فيها النار بلا سبب فصمموا على ترك الشقة وهي معروضة للبيع الآن ولا أظن أن أحداً سيشتريها بعدما عرف الكثيرون أنها ساكنها جن وعفاريت.
ولم تكن حكاية هذه الفنانة الشابة هي الحكاية الوحيدة، فالوسط الفني به الكثير من هذه الحكايات حدثت مع فنانين وفنانات، حكايات كلها غريبة وعجيبة ومثيرة وغامضة، بعضها يفصح عنها أصحابها ويعلنوها والبعض الآخر لا يحكيه الفنان أو الفنانة إلا لأقرب الأصدقاء، تماماً كما يحدث مع الكثير من الناس فكل منا في ذاكرته حكاية عن الجن والعفاريت سواء حدثت معه أو سمعها من صديق أو رويت له من الماضي، فما زالت بداخلنا رغبة ملحة تدفعنا دفعاً إلى الاستماع للأسطورة والتعايش معها وبداخلنا أيضاً إحساس يرفض عدم تصديق هذه الأساطير بل إننا نرفض من لا يصدقها فلاتزال الخرافات والحكايات الغريبة الغامضة التي وردت إلينا من التراث الشعبي هي المادة الأكثر جذباً لعقول الناس ومشاعرهم. ونعود لحكايات الجن والعفاريت ونطره سؤالاً في غاية الأهمية وسبق أن طرحه الكثيرون ولا تزال الإجابات عنه مختلفة ومتضاربة وهو: هل ممكن أن يعيش الجن مع الإنسان ويصادقه؟ وهل يعلم الجن الغيب ويخبر الإنسان به؟!
خورشيد والعفاريت
كانت وفاة الموسيقار والفنان عمر خورشيد في حادث سيارة مروع في منطقة الهرم في بداية الثمانينيات صدمة شديدة للوسط الفني المصري ولعشاق فن عمر خورشيد، وبعد أن أفاق الكثيرون من الصدمة سرت داخل الوسط الفني حكاية غريبة للغاية، حيث تردد أن الفنان الراحل كان على علاقة بالجن، وكان له صديق جني يأتي إليه كل ليلة في منزله ويجلس معه ويتبادلان الحوار، والذي روى هذه الواقعة صديق لعمر قال إن الفنان الراحل اختصه بحكايته مع هذا الجني أو العفريت الطيب المسالم الذي يأتي لعمر كل ليلة ويتسامر معه.
والأغرب من ذلك أن عمر قال – كما حكي صديقه – إن هذا الجن كان يحكي له الكثير من الحكايات الغريبة عن عالمهم بل وكان ينبئه ببعض الأخبار والشيء الأكثر غرابة أنه – أي الجني – قال لعمر إنه سيقع له حادث سيارة وسيودي بحياته بعدما شاهده في وضع يوحي بذلك.
ونحن هنا لا نؤكد صدق الحكاية ولا نجزم بوقوعها فهناك من صدقها وهناك من رفضها وما زال يرفضها على اعتبار أنه لا صداقة بين إنس وجن، وعلى أساس أن الحكاية كلها خيال محض ونسبة الحقيقة والواقع فيها لا تتجاوز الصفر بالمئة.
علم الغيب
وهذه الحكاية تجعلنا نعود للإجابة على السؤالين الذي طرحناهما حول إمكانية أن يعيش الجن مع الإنسان، وهل يعلم الغيب؟ الإجابة تأتي من خلال ما قاله علماء الدين وعلماء الروحانيات، وهو أنه من الممكن أن تكون هناك علاقة بين الإنسان والجن، وهو ما يطلق عليه لفظ أو صفة «المخاوي يقال: فلان مخاوي جن، أي له صديق أو صديقة من الجن، فإذا كان الإنسان قد عقد صداقة مع الجن فإن المشكلة هنا قادمة لا محالة كما يقول الروحانيون، حيث لا يرى الجن سوى هذا الشخص وكثيراً ما يحرجه الجن فيأتي إليه وهو مع أصدقائه أو امرأته ويحدثه فيرد الشخص عليه، هنا تكون المشكلة حيث سيكون الشك في القدرات العقلية للشخص وتكون النهاية هي إصابة الشخص المخاوي بالجنون الحقيقي.
أما إجابة السؤال الثاني فهي بسيطة وسهلة للغاية وبالأدلة الدامغة، فالجن لا يعلم الغيب أبداً ولو كان الجن يعلم الغيب لعرفوا بموت سيدنا سليمان، وهو واقف على عصاه أمامهم، والقرآن الكريم أكد في آياته أن الجن لا يعلم الغيب فلا يعلم الغيب إلا الله.
لهذا نضع كل هذه الحكايات المرتبطة بعوالم الجن والعفاريت في المنطقة الوسطى بين التصديق والتكذيب، بين القبول والرفض، وما أكثر الحكايات والأساطير والخرافات التي مازلنا نملك بداخلنا الرغبة القوية في سماعها والانفعال بها، ومازال عالم الجن والعفاريت بالنسبة لنا وسيظل عالماً مملوءاً بالأسرار، ومن أكثر العوالم الغيبية غموضاً فهو بالنسبة لنا العالم المجهول الذي نخافه ونخشاه لكننا دائماً في رغبة لمعرفة المزيد عنه وفي رغبة أيضاً للتعايش مع خرافاته وأساطيره.
توضيح لابد منه
في نهاية هذه الحلقات نريد أن نوضح أنه لا يرد على الذهن مطلقاً الإساءة أو التشهير ببعض فنانينا الكبار الذين نُجلُهم ونحترمهم، فهم رموزنا الذين امتعونا بعطائهم الفني الجميل وأثروا حياتنا بأعمالهم التي لا تنسى، بل كان الهدف الأساس تقديم دراسة سريعة ومتواضعة نعرض فيها لهذا العالم الغامض، عالم السحر والجن والتنجيم وما يصاحبه من دجل وشعوذة وخرافات مازالت تسيطر على الكثير من البشر، كما لم تكن الإثارة أو الفرقعة الصحافية أو الإعلامية هي أيضاً هدفنا على الإطلاق، لذا لزم التنويه والتوضيح.