“أما شخصية أم كلثوم، فهي ريفية.. وعندما تنفعل، فإنها تتكلم بلهجة ريفية تماما، لهجة بلادنا نحن أبناء الدقهلية.. وهي بنت نكتة، وسريعة التعليق البارع..
وهي مثل عبد الوهاب.. ثقافتها سمعية.. فعبد الوهاب لا يقرأ الصحف، ولا أم كلثوم.. وإنما يسمعون كثيرا ومِنْ كثيرين. ولا عبد الوهاب، ولا أم كلثوم، ولا عبد الحليم يشربون الخمر، ولا يدخنون.. وكانت أم كلثوم لا تأكل الآيس كريم، حرصًا على حنجرتها”.. هكذا تحدث الكاتب الراحل أنيس منصور عن كوكب الشرق، التي رحلت في مثل هذا اليوم 3 فبارير عام 1975 تاركة وراءها إرثا غنائيا خالدا في وجدان المصريين والعرب..
بداية الرحلة
بدأت الغناء وهي طفلة صغيرة مع والدها في الموالد والأفراح، وفي عام 1922 انتقلت إلى القاهرة، وكونت أول تخت موسيقي لها في عام 1926، كانت نقطة انطلاقها عندما تعرفت على الشاعر أحمد رامي ثم الملحن محمد القصبجي لتصدر عام 1928 مونولوج “إن كنت أسامح وأنسى الآسية”، والذي حقق لها شهرة كبيرة، لتشارك بصوتها في فيلم “أولاد الذوات” عام 1932.
ثم إلتحقت بالإذاعة المصرية عند إنشائها عام 1934، وهي أول فنانة دخلت الإذاعة، وشاركت في عدة أفلام في الثلاثينيات والأربعينيات كان آخرها فيلم “فاطمة” عام 1947، لتتفرغ بعدها للغناء فقط.
بعد الثورة
بعد ثورة يوليو عام 1952، تم تكوين اللجنة الموسيقية العليا والتي كانت هي من أعضائها بجانب رياض السنباطي والموسيقار محمد عبد الوهاب، وتعتبر الستينيات من أبرز الفترات الفنية لأم كلثوم حيث أصدرت العديد من الأغنيات الناجحة منها “إنت عمري، الأطلال”، وقامت بغناء العديد من الأغنيات الوطنية بعد نكسة 1967 منها أغنية “أصبح عندي الآن بندقية”، ليبدأ إنتاجها الفني في التناقص في فترة السبعينيات بسبب معاناتها من إلتهاب الكلى حيث سافرت إلى لندن للعلاج، حتى وافتها المنية يوم 3 فبراير عام 1975.
عبد الوهاب عن أم كلثوم : صوتها فيه زعامة
قول محمد عبد الوهاب: “صوت قوي، فيه رعشة سريعة، وعندها إحساس قوي. وصوتها فيه زعامة. تمشى كأنها تأمرك، وأنت لا تعصي لها أمرا.. ثم إن صوتها فصيح مبين.. تستطيع أن تمسك ورقا وقلما وتكتب كل كلمة تقولها.. وأم كلثوم قادرة على إسكات جمهورها، لأنه لا يريد أن يفوته أي معني وأي لحن وأي أداء.. أي لا يريد أن يفوته شيء جميل.. وأم كلثوم تعلمت من الحياة، ولم تدخل مدرسة.. وهي لا تكاد تسمع عن صوت جميل؛ إلا طلبت أن ترى صاحبه، ولا عن ملحن جديد؛ إلا طلبت أن يلحن لها.. وصوت أم كلثوم له مزايا عشر مطربات، أو عشرين مطربة معا.. ولذلك، فالله قد أعطاها صفات نادرة.. وإذا كان لا بد من نصيحة لمن يغني أو يلحن.. فهي أن يدرس حياة أم كلثوم.. ففيها كل مراحل النمو والنجاح”.
سقوط أم كلثوم على مسرح الأولمبيا
عام 1967، التقط المصور الفرنسي جان كلود دويتش تلك الصورة لأم كلثوم من على مسرح الأولمبيا في باريس، وهي الصورة التي تظهر ملامح أم كلثوم عن قرب وانفعالها على المسرح خلال تأديتها أغنية “الأطلال”.
وقد ارتبطت هذه الصورة بحادث سقوط أم كلثوم على المسرح بعدما توجه أحد الشبان الذين انتشوا من صوتها، إلى المسرح وانحنى ليقبل قدميها، فما كان من أم كلثوم إلا أن سحبت قدميها إلى الوراء ففقدت توازنها ووقعت أرضاً، الأمر الذي تسبّب في انزعاجها.
حكاية أم كلثوم مع بليغ حمدي
جاء تعاون بليغ حمدى مع أم كلثوم عن طريق المصادفة، حيث كان الفنان محمد فوزى من أعز أصدقاء بليغ، ولكنه قام بإنشاء شركة تسجيلات وأسطوانات وتعاقد حينها مع عدد من المطربين والمطربات لتسجيل إنتاجهم على أسطوانات وفى مقدمتهم السيدة أم كلثوم، ورغم الصداقة التى كانت تجمع فوزى ببليغ، إلا أنه لم يبلغه بالتعاقد مع أم كلثوم.
وقال بليغ عن لقائه بكوكب الشرق: كان صديقى الشاعر عبدالوهاب محمد يعمل مهندساً فى شركة «شل»، وأسمعنى كلمات أغنية ألفها هى “#حب إيه اللى انت جاى تقول عليه” أعجبنى كلامها جداً، وفى الحال قمت بتلحين مطلعها، وأخذت أرد هذا الجزء فى المجالس التى تضمنى مع عدد من الزملاء الفنانين، وتصادف فى تلك الأيام أن جاءنى الصديق محمد فوزى ودعانى إلى سهرة فى بيت الدكتور زكى سويدان.. وقال لى إن السيدة أم كلثوم ستكون فى الحفلة.
وأضاف: بالطبع ذهبت إلى السهرة، وعرفت فيما بعد أن الحكاية كانت مهيأة سلفاً.. وأن السيدة أم كلثوم كانت قد سمعت بعض ألحانى التى وضعتها لعبدالحليم حافظ، وشادية وصباح ونجاة وفايزة أحمد.. وأرادت من باب الفضول التعرف علىّ، وهكذا تم ترتيب السهرة وضمت الحفلة أيضاً عازف الكمان أنور منسى، والمطرب عبدالغنى السيد والشاعر مأمون الشناوى ومحمد فوزى طبعاً.
وأذكر أن الكلفة ارتفعت بينى وبين المطربة العظيمة من أول لحظة، وأحسست وكأننى أعرفها من زمن بعيد، وطلب أحدالساهرين من أم كلثوم أن تسمعنا شيئاً.. فالتفتت إلى أنور منسى ودعته إلى العزف على كمانه.. ثم طلبت عوداً وأعطته لى وقالت: تفضل وأسمعنا شيئاً من ألحانك!!
وأسرع محمد فوزى بطلب منى أن أسمعهم مطلع أغنية “#حب إيه”، وكان أنور منسى قد حفظ اللحن جيداً منى فى سهراتنا الخاصة، ولم أتردد.. غنيت.. واستعادت أم كلثوم اللحن مرة ومرتين.. وثلاثاً.. وطربت له، وسألتنى لماذا لم أكمل لحن الأغنية.. فأجبتها بأننى لم أجد سبباً للاستعجال.. وهنا صرحت “أفوت عليها بكرة”.. وقد كان وغنت أم كلثوم الأغنية بعد ذلك التى أضحت أحد أشهر أغانيها..
سومة تجمع الفرقاء
أم كلثوم هي المطربة الوحيدة التي صارت إحدى أغانيها نشيدا وطنيا لمصر “قبل النشيد الحالي”، وشارة مميزة لإذاعة بغداد، وهي المطربة الوحيدة التي يقال إن صوتها وحّد العرب من الشرق إلى الغرب في وقت كان فيه الساسة والعقائديون يمزقون ما تبقى من أواصر العروبة بسياساتهم وخلافاتهم الحزبية.
وفي ليلة أم كلثوم التي كانت توافق الخميس من كل أسبوع، كان فرقاء السياسة العربية يتركون الخلافات والمؤامرات ويلتفون حول أجهزة المذياع للاستماع إليها، لا فرق بين عتاة اليسار ولا رموز اليمين ولا الحكام والمعارضين.
وفي الأدب العربي، سجل لها حضور في روايتي قصر الشوق وميرامار للأديب نجيب محفوظ، وخصص لها إحسان عبد القدوس إحدى قصصه القصيرة.
أم كلثوم لواحد من الجمهور: “اخرس قليل الأدب”
كانت ليلة ربيعية، تحديدا يوم 19 مارس من عام 1969، قررت فيها سومة أن تشدو لأهل ليبيا، في مدينتهم بنغازي، لتمنحهم نصيبا من صوتها وبهائها، بعد أن اختارت لهم أغنية “بعيد عنك” لتكون عنوان حفلها الساهر، وكعهدها الدائم، بدأت فرقتها في عزف المقدمة اللحنية، حتى جاء دور أم كلثوم وبدأت تنشد مطلعها “بعيد عنك حياتي عذاب، ماتبعدنيش بعيد عنك”، ليقابلها الجمهور بعد انتهائها من الكوبليه بتصفيق حاد، وحرارة مشاعر اعتادت عليها في كل حفلاتها بأي مكان بالعالم، إلا واحدا قرر أن يخالف الجميع، ولفظ –بدون مناسبة- كلمة بذيئة لما تميزها مسامعنا بسبب تداخلها مع هتاف الجمهور العريض، لكن أم كلثوم من موقعها ميزتها بشدة، لدرجة دفعتها لحالة غضب نادرا ما كانت تصل إليها على المسرح، لتصرخ في وجهه بصوت مسموع “اخرس.. قليل الأدب”.
يخمن مريدو الست أن تلك هي الواقعة الشهيرة التي صرخ فيها أحد الحضور قائلا: “عيدي يا مرة عيدي”، دون أن يقصد توجيه إساءة مباشرة لها، باعتبار أن كلمة “مرة” في ليبيا والعراق وبعض الدول العربية الأخرى على حد سواء تستخدم في معاجمهم المحلية كنداء متعارف عليه لنساء مدينتهم، لكنها فهمت قصده بثقافة مصرية خالصة، وكأنها سُبّة وإهانة مقصودة، لذلك جاء ردها عنيفًا: “اخرس.. قليل الأدب”.
لكن من جانب آخر، أشار أحد الليبيين الذين حضروا الحفل إلى أن في هذه الحفلة نعتها أحد الحضور بما يوحي بأنها أصبحت سيدة عجوز بلغت من العمر أرذله، في إشارة منه إلى أنها لم تعد قادرة على عطائها المميز، مما أشعل النار في نفس الست، ودفعها لمهاجمته دون هوادة أو تردد بجملتها السابق ذكرها.
زواج سري
كشفت المؤرخة الموسيقية رتيبة الحفني أن أم كلثوم تزوجت سرا من مصطفى أمين مؤسس صحيفة “أخبار اليوم”، وأمضت معه 11 عاما وكان عقد زواجها في يد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وقالت الحفني التي تعتبر بين أهم مؤرخي الموسيقى العربية في ندوة عقدت في مكتبة #الإسكندرية أن كوكب الشرق تزوجت من مصطفى أمين سرا لأنها كانت تريد أن تكون ملكا للجميع.
كما أكدت الحفني أن أم كلثوم عاشت حياة زوجية كاملة مع الملحن والموسيقار الراحل محمود الشريف ولم يكن ما يربطهما عقد زواج فقط حيث كان يشاهد خارجا من غرفة نومها بالروب “روب ديشامبر”.
خرشوف يعني عبد اللطيف
ربطت علاقة صداقة قوية بين أم كلثوم، والدكتورة عائشة عبد الرحمن، “بنت الشاطئ”، حيث نشرت مجلة روز اليوسف عام 1957 حدث أن سافرت بنت الشاطئ الى طشقند لحضور مؤتمر أدبى، وحين عودتها كان أول من زارته صديقتها أم كلثوم، سألتها أم كلثوم عن الكلمات الروسية التى تعلمتها خلال زيارتها لطشقند.
فقالت بنت الشاطئ كلمات قليلة منها مثلا “خراشو” فسألتها أم كلثوم ما معناها، فقالت بنت الشاطئ معناها “لطيف”، فردت أم كلثوم: “يعني خرشوف معناها عبد اللطيف”.