تقول بعض المرويات التي تحتاج إلى سند تاريخى قوى ” إن سيدنا إبراهيم، عليه السلام، حين شرع في بناء الكعبة جمع صخورا من خمسة جبال، هي: حراء وثبير والخير ولبنان، وهي من جبال مكة، وجبل الطور بصحراء سيناء شرق مصر”.
يُسقط المؤرخون، دون أن يدروا، هؤلاء المجهولين الذين لامسوا رحاب مكة فى البناء مثل مئات المهندسين المصريين وآلاف العمال ليجعلوها كما أرادت لها السماء ” أحب بلاد الله إلى الله ” ، كما وصفها النبي محمد عليه الصلاة والسلام أثناء هجرته.
المهندسون المصريون الذين ذهبوا لها بالمئات ومعهم آلاف العمال لإقامتها من جديد في عهد السلطان العثماني مراد الرابع لا أحد يذكرهم، في حين تكون الذكري فقط للسلطان أو الخليفة العثماني ولأمير الحج التركي رضوان بك الفقاري، حيث كان البناء الأخير لمكة التي شهدت عدة بنايات في حقب زمنية مختلفة.
ويقول الباحث ضياء العنقاوى : إنه في عام” 1629م حدث مطر شديد دخل المسجد الحرام وأغرق كثيرا من الناس فيما هدم 3 جوانب من الكعبة، لافتا إلى أن الحادثة، التي أودت بحياة الكثيرين، حدثت في شهر شعبان قبل موسم الحج مما دفع الخليفة العثماني لأن يستعين كعادته بالمهندسين والعمال المصريين لإعادة الكعبة المشرفة لحالتها.
لمدة عام ونصف العام دون المؤرخ ابن علان في مؤلفه الشهير “أنباء الجليل المؤيد السلطان مراد خان ببناء بيت الوهاب الجواد” يوميات ما حدث في إعادة البناء علي أيدي المهندسين المصريين الذين قاموا بتكسية الكعبة بالأخشاب وإلباس الكعبة ثوبا أخضر، حيث دخل موسم الحج وكان علي المسلمين أن يقوموا بتأدية الشعيرة المقدسة وكان على المهندسين المصريين، الذين تم تجاهل ذكر معظمهم، اختراع وسيلة لإقامة الكعبة من أجل تأدية المناسك.
يؤكد العنقاوي أن الواقعة حدثت في عهد أمير مكة الشريف مسعود بن حسن وتم الانتهاء منها في إمارة الشريف عبدالله من بيت الأشراف العبادلة الذي اعتزل الإمارة وتفرغ للعبادة بعد انتهاء المهندسين والعمال المصريين من بناء الكعبة وإقامتها.
المكتشفات الأثرية الحالية في الحرم المكي وما حولها وكذلك المكتشفات الأثرية في المدينة المنورة تظهر مجهودات أمير الحج المصري رضوان بك الفقاري الذي جعل العمال المصريين يقومون بعملية رصف الوعرات التي تقع بين منطقتي النبط وينبع، التي كانت بحسب حديث المؤرخين مجهدة للحجاج وموجعة للجمال، الوسيلة التي كان يتخذها الحجاج للذهاب لمكة المكرمة.
كما قام العمال المصريون ببناء مسجد بمنطقة وادي الصفراء وهي تبعد 100 كيلو عن المدينة المنورة وتم اكتشافه حديثا، وكان يطلق عليه مسجد رضوان أمير الحج المصري الذي تولى هذا المنصب لسنوات طويلة، كما يجزم المؤرخ الجبرتي في تاريخه الذي وصفه بأنه كثير الصوم والعبادة وهو الذى عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته بالقاهرة.
يوضح الباحث ضياء العنقاوي أن عدة سيول ضربت مكة المكرمة وأدت لموت الحجاج المصريين منها سيل عام 1680م في 18 ذي الحجة حيث حدثت بمكة أمطار غزيرة مستمرة وكثير السيل ودخل الحرم حتى بلغ المياه لنصف الكعبة وكان في ذلك خروج الحجاج المصريين فغرق فيه كثير من المسافرين مما دفع فقيها أزهريا مجهولا لرثاء الحجاج، قائلا:
وكم من عديم رديم وكم – به من غريق عريق النسب
وكم من قصور في جر وكم – تجر صخورا كجر الخشب
هكذا أنشد المصري المجهول وهو يرثي أبناء جلدته في سيل أدى لإغراق الكعبة التي كانت ومازالت تعشقها السيول العارمة.
يضيف ضياء العنقاوي أنه في أحداث عام 1581م كتب المؤرخون الآتي “بينما الناس بالحج في منى هطل مطر غزير وانحدرت السيول من كل جانب على الحج الشامي حتى غرق الجميع وغرق معهم المصريون الذين نزلوا معهم. وفي عام 1643م وقع سيل عظيم بعرفة منع الحجاج من دخول الحرم حتى آخر الليل”.
يضيف العنقاوي أن السيل منع الحجاج من أداء المناسك المعروفة والمتبعة حيث تكون المناسك بعد الوقوف على جبل عرفات والمغادرة بعد أذان المغرب مباشرة ومنها إلى مزدلفة ومنى لرجم جمرة العقبة الكبرى، ومنها للحرم للطواف “لكن كان على الحجاج الانتظار لآخر الليل لتأدية المناسك وهو التحرك الذي تصفه كتب المؤرخين بأنه بمشقة كبيرة”.
في عام 1723م في أثناء تأدية الحجاج الوقوف على جبل بعرفة هبت رياح شديدة اقتلعت الخيام بعرفات وأعقبها مطر شديد نزلت فيها قطع ضخمة من الثلج، ثم أقبلت السيول من الجبال، وبعد أن ذهب السيل وكف المطر نفر الحجاج من عرفة إلى مزدلفة وتأخروا في المناسك.
يوضح ضياء العنقاوي أنه في عام 1746م، وفي أثناء الحج، حدث مطر عظيم في منى ثم أعقبه سيل عظيم ذهب بكثير من الأموال والحجاج، ثم نفر الناس إلى مكة وهم في غاية التعب.
وفي عام 1865م جاء مطر شديد إلى مكة ودخلت السيول المسجد الحرام وقال المؤرخون: “حتى صار المسجد كالبحر وغرق المسجد الحرام وغرق أناس داخله وخارجه”.