الخشاف من خشف – بكسر الشين – أي يبس ولعل السبب في ذلك أن الفاكهة المستخدمة في تحضيره فاكهة مجففة، كما يقال خشف بفتح الشين: خشف الدليل بالقوم؛ دلهم ومضى بهم وهو حقا يفعل بعد تيه في صحراء من الجوع والعطش خلال نهار رمضان فيحملنا إلى مشارف جنة عدن والتي منها منبع النيل في تراثنا الإسلامي.
كما أن الخشف صوت تكسر الثلج وهي مسألة دالة هنا إذ تتطلب براعة في الإحساس بالزمن عند تحضير الخشاف الذي يشكل البلح المجفف عنصره الرئيس، فلا مبكرًا بحيث يفقد كل حلاوته فتجزع ولا متأخرًا فيظل على صلابته محتفظا بأسراره، لابد من اختيار الوقت المناسب كي يمنح بعض حلاوته للخليط محتفظا بقوامه فتشعر بتكسره السهل في فمك.
بعد مدفع الإفطار مباشرة، وبالمناسبة كانت القاهرة أول مدينة إسلامية أطلقت المدفع عند الغروب إيذانا بالإفطار في شهر رمضان عام 859 هجرية، كان ذلك عن طريق الصدفة حين أراد السلطان المملوكي “خوشقدم” تجربة المدفع الذي أهداه إليه صديق ألماني فاتفق أن كان وقت غروب الشمس، فظن أهل المحروسة أن المدفع كان لتنبيههم إلى موعد الإفطار.
ولما غاب في الأيام التالية خرج علماء الأزهر والأعيان لمقابلة السلطان حتى يبقى على هذا التقليد، ولأن السلطان لم يكن موجودًا التقوا زوجته “الحاجة فاطمة” التي نقلت للسلطان رغبة أبناء المحروسة فوافق، وقد ظل أهل القاهرة يطلقون على مدفع الإفطار اسم الحاجة فاطمة حتى يومنا هذا.
وبعد مدفع الإفطار مباشرة يفضل الكثيرون كسر صيامهم بطبق من الخشاف والأمر في الأصل سنة عن النبي الكريم الذي كان يكسر صيامه بتمرة جافة أو منقوعة في اللبن، فلما جاءت إلى مصر أصبحت كرنفالا، المشمش المجفف والبرقوق المجفف “القراصيا”، والتين المجفف، العنب المجفف “الزبيب” وشيء من “قمر الدين” ناهيك عن البلح المجفف.
وللأمر عند بعض المتشددين قانون؛ ماء بارد مذاب فيه شيء من قمر الدين حبذا لو أنه من غوطة دمشق الشهيرة بزراعة المشمش البلدى السوري.
وبحسب التقاليد المرعية هناك نحصل على قمر الدين بعصر ثمار المشمش وإضافة السكر إليها ثم غليها على النار وبعد ذلك تصب على ألواح خشبية مدهونة بزيت الزيتون وتعرض للشمس إلى أن تجف تمامًا، ثم تقطع وتغلف على شكل طبقات.
أول الفاكهة التي يجب نقعها مبكرًا المشمش والقراصيا؛ فهما يحتاجان لزمن أطول كي يلينا.
يحتوي المشمش على أملاح معدنية كثيرة، خصوصًا الفسفور والحديد والكالسيوم والبوتاسيوم، كما أنه غني جدًا بفيتامين (A) المفيد لغذاء شبكة العين و(B) المفيد للدم و(C) الذي يرفع من مناعة الجسم لحماية الإنسان من نزلات البرد، كما وجد أن 13% من وزنه يحتوي على السكر وربع في المائة من وزنه مواد نشوية.
وتؤكد الأبحاث أن المشمش يعادل قيمته الغذائية الكبد الحيواني تقريبًا في صنع كريات الدم الحمراء، كما أن المشمش يزيد من قوة الجسم الدفاعية ضد الأمراض لوجود فيتامين (A) فيه بنسب عالية جدًا.
كما وجد أن المشمش مفيد للمصابين بفقر الدم، وهو مقو للأعصاب والأوردة وخلايا الجلد، وفاتح للشهية ومهدئ للأعصاب ومزيل للأرق.
ويوصف المشمش للأشخاص الذين يبذلون جهدًا ذهنيًا لاحتوائه على عنصرين مهمين للمخ وهما الفوسفور والماغنسيوم.
أما البرقوق “القراصيا” أو حب الملوك كما يطلق عليه في المغرب العربي لدى العامة فهو من فصيلة الورديات ويحتوي على العديد من الفيتامينات ومضادات الأكسدة التي تكافح الشوارد السامة في أجسامنا وتحافظ على نضارة الجلد وحيوية البشرة، كما أنه ملين فعال لمعالجة الامساك.
وبالمناسبة هو أكثر الفاكهة إرباكا في جغرافيا شرائه فلو أنك مصري ورغبت في شراء بعض منه في سوريا فطلبت من بائع الفاكهة أن يعطيك برقوقا فسيأتيك بخوخ وإن تعلمت الدرس ورغبت في شرائه بالمغرب فطلبت من البائع خوخا فسيأتيك ببرقوق.
وإن حاولت أن تحفظ سلامة الدال والمدلول فاستخدمت الكلمة الفصيحة لشرائه فطلبت من بائع في مصر الإجاص فعليك أن تتحلى بسعة الصدر.
بعدهما عليك أن تضع البلح أو التمر الجاف، والقيمة الغذائية في التمر تضارع بعضًا من أنواع اللحوم وثلاثة أمثال ما للسمك من قيمة غذائية، وهو يفيد المصابين بفقر الدم والأمراض الصدرية.
والتمر سهل الهضم سريع التأثير في تنشيط الجسم ويدر البول وينظف الكبد ويغسل الكلى، ومنقوعه يفيد ضد السعال والتهاب القصبات والبلغم وأليافه تكافح الإمساك، وأملاحه المعدنية القلوية تعادل حموضة الدم التي تسبب حصيات الكلى والمرارة والنقرس والبواسير وارتفاع ضغط الدم.
أما سكريات التمر فهي الجلوكوز والليكولوز والسكاروز يمتصها الجسم ويتمثلها بسهولة فتصل سريعًا إلى الدم فالأنسجة وخلايا الدماغ والعضلات فتمنحها القوة والحرارة.
لاحقا تضع التين المجفف فهو أكثر الفاكهة المكونة للخشاف حساسية في استجابته للماء، والتين أقدم فاكهة عرفها الإنسان وأكثرها كمالا، وقد أقسم به الله في القرآن الكريم.
ويحتوي التين المجفف علي (أوميجا 3 و6) وهي مادة لا ينتجها جسم الإنسان ولا توجد إلا في بعض الأسماك كالتونة وهي تلعب دورًا هامًا في التقليل من نسبة الكوليسترول في الدم، علاوة على دورها في الإبقاء على الأداء الفعال للقلب والدماغ والجهاز العصبي. كما تعادل نسبة الكالسيوم الموجودة في علبة من الحليب.
وأخيرًا الزبيب وأجوده ما كبر حجمه ورق قشره وصغر حبه وهو كما قال عنه ابن سينا “صديق الكبد والمعدة” كما أنه يفيد مرضى ضغط الدم، فهو يعد مصدرًا جيدًا للبوتاسيوم ذلك المعدن الذي ثبت أنه يخفض ضغط الدم المرتفع.
والزبيب هو العنب المجفف، وينتج في مناطق كثيرة من العالم، مثل الولايات المتحدة وأستراليا وتشيلي والأرجنتين والمكسيك واليونان وتركيا وسوريا وإيران وتوجو وجامايكا وجنوب أفريقيا.
يختار الزبيب من أنواع العنب ذي السكر العالي واللحم المتماسك من ذوي البذر أو من العنب السلطاني عديم البذر.
يجفف العنب في الشمس، أو في الظل بطرق خاصة فيصبح زبيبًا.
هو احتفال مصري نسميه الياميش، عبء يثقل كاهل الطبقة المتوسطة المصرية بلا رغبة في التخلص منه، بصخب ألوانه من مشمشي تشوبه حمرة، إلى الأسود البراق اللامع للقراصيا، فبني تخالطه صفرة مع البلح والتين فنثار الذهب مع الزبيب.