إذا أردت أن تصف شخصا بقوة البصر وخلوه من أي من العيوب فأنت تقول ” إن فلانا مثل زرقاء اليمامة ” ولكن من هي زرقاء اليمامة وهل كانت حدة بصرها امرا حقيقا ام لا ؟
زرقاء اليمامة هي شخصية عربية قديمة وهي امرأة نجدية من قبيلة جديس من أهل اليمامة في اليمن ويقال انها كانت تُبصر الشَعَرةَ البيضاء في اللبن وترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام .
ويقال إن اليمامه اسمها وبها سميت بلدتها اليمامه ، واسم قريتها ” جَوّ ” وتقع في سهل فسيح يسمى جو لانه فسيح كجو الفضاء .
وكانت الزرقاء تُنذر قومها من الجُيوش إِذا غَزَتهم ، فلا يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له ولسنوات طويلة سعت قبيلة حِمْيَر للاستيلاء على ارض اليمامة لكنها كلما حاولت كشفت الزرقاء الامر ونبهت قوما فاستعدوا لهم .
و استمر الحال كذلك حتى تولى حِمْيَر ملك داهية اسمه حسان الحميري وفكر ان يستخدم الحيلة و المكر مع زرقاء اليمامة فامر جنوده بقطع أغصان الأشجار والتستر خلفها حتى يتشبه الامر على الزرقاء .. الا ان الزرقاء رأتهم و انذرت قومها بأنها ترى اشجارا تتحرك فكذبوها ولم يصدقوها وظنوا انها جنت .. فأنشأت تقول :
خذوا خذوا حذركم يا قوم ينفعكم
فليس ما قد أرى بل أمر يحتقر
إني أرى شجراً من خلفها بشـرٌ
لأمرٍ ما اجتمع الأقوام والشّـجـر
فلما وصل جنود حِمْيَر إلى قومها أبادوهم و قتلوا منهم مقتلة عظيمة وهدموا بنيانهم وقلعوا عين زرقاء اليمامة فوجدوها محشوة بالأثمد وهو حجر أسود كانت تدقه وتكتحل به ثم تركوها فماتت بعد عدة ايام .
وإذا ما أردنا أن نحول مسافة نظر زرقاء اليمامة إلى قياسات عصرنا الحالي ، فإن مسيرة ثلاثة أيام تعادل مسافة تتراوح بين 80 و120 كيلومترا . فالمسافر يستطيع أن يقطع سيرا على قدميه في اليوم الواحد قرابة أربعين كيلومترا، ما بين سير واستراحة وطعام ونوم .
ويقول المشككون في قصة زرقاء اليمامة إن هناك مجموعة من المبالغات في قصتها : فأولا من الصعب على العين البشرية أن ترى مسافة تتجاوز خمسين كيلومترا، وهذا شريطة أن يكون الأفق ممتدا تماما .
والمشكلة الثانية في قصة زرقاء نابعة من حقيقة أن الأرض كروية وليست مسطحة، وهذا يعني أن الأفق بعد مسافة تقارب خمسة كيلومترات لا يعود مرئيا، لأنه يغطس وينحني مختفيا مع تكور الأرض، ولا تستطيع أشعة الضوء الالتفاف لتلحقه، ولذلك فمن الصعب رؤية شيء واقف على سطح الأرض يتجاوز بعده عن المشاهد خمسة كيلومترات.
في المقابل ، فإن روايات أخرى نقلت عن زرقاء اليمامة تجعل وصفها منطقيا أكثر، إذ وصفت بأنها ترى الشخص على مسيرة يوم وليلة ، وهذا يعني قرابة خمسين كيلومترا أما بالنسبة لموضوع انحناء سطح الأرض فربما كانت تصعد هضبة أو تلة قريبة من مساكن قومها مما يتيح لها التغلب على هذه الصعوبة ورؤية مسافة أبعد .
ومع ذلك ، فإن التدقيق في قصة زرقاء اليمامة يجعلنا نكتشف أن ميزتها الأساسية لم تكن قوة البصر، بل البصيرة إذ يروى عنها أنها حذرت قومها من شجر يسير، وكان الأعداء قد علموا بقوة بصرها فقطعوا الأشجار واستتروا بها حتى لا تكشفهم، فلما أخبرت زرقاء قومها بأن هناك شجرا يسير لم يصدقوها وسخروا منها، فلما أطبق أعداؤهم عليهم وباغتوهم أدركوا صدق زرقاء، ولكن بعد فوات الأوان .
ولذلك، ربما تكون زرقاء اليمامة قد حذرت قومها من الغزاة وليس بالضرورة أن تكون فعلت ذلك باستخدام بصرها بل ربما سمعت عن الغزاة من المسافرين أو العيون “الجواسيس”، أو ربما كانت تريد من قومها البقاء في حالة استعداد وعدم التراخي حتى لا يكونوا لقمة سائغة لعدوهم الملك حسان الحميري ، الذي ينسب غزو اليمامة له.
ومن ثم فسواء كانت أبصارنا قوية مثل زرقاء اليمامة أو كنا ممن يعانون من عيب في البصر علينا أن نتذكر أن البصيرة والقدرة على التحليل هي النقطة الأهم، فكثيرا ما رأت البصيرة ما عجز عن رؤيته البصر .