تغيرت الوجوه، زاحمت الكتل الأسمنتية الحديثة أصالة المبانى، لكن قرنا وربع القرن من الزمن لم تزح عبق التاريخ والأصالة عن كلية المشاهير والعظماء، لتظل كلية الزراعة بجامعة القاهرة متفردة عن جميع ساحات جامعات مصر بأجوائها الخاصة المستلهمة لروح بدايات القرن الماضى، بعد أن وقفت أسوارها حائط صد ضد صخب وضجيج الحياة المتسارع خارجها.
المدرسة التوفيقية سابقًا
كلية الزراعة الأكبر والأعرق فى منطقة الشرق الأوسط، بدأ التفكير فى إنشائها خلال اجتماع مجلس النظار الوزراء فى عهد الخديو توفيق بجلسته المنعقدة يوم ١٠ أكتوبر عام ١٨٨٩ ، تحت مسمى المدرسة التوفيقية للزراعة بالجيزة، بعد أن خصص لها الخديو جناحا من سراياه بالجيزة، ملحقا بها ٣٠٠ فدان من أجود أنواع الأراضى الزراعية بمثابة مزرعة تعليمية.
وكعادة المؤسسات التعليمية فى ذلك الحين، تم اختيار فريق إدارى أجنبى تابع للاحتلال البريطانى، حيث تم تعيين المستر وليم والاس ناظرا لها، وتلاه فى المنصب ٤ آخرون من النظار البريطانيين، إلى أن تم تحويلها إلى كلية جامعية عام ١٩١١ ، حيث تحولت إلى مدرسة عليا تمنح خريجها دبلوم الزراعة العليا وكان أول ناظر مدير مصرى لها هو عبد الحميد فتحى دفعة ١٨٩٣ .
نظام القبول المرن فى تلك المدرسة ساعد كثيرا على ازدهارها، وشهرتها فى مصر والوطن العربى والشرق الأوسط، حيث كانت تقبل الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية، وفى حالة وجود أماكن أخرى متاحة يتم عقد اختبار قبول متخصص للراغبين فى الالتحاق بها من غير الحائزين على تلك الشهادة، الأمر الذى ساعد على التحاق عدد كبير من أبناء العائلات الحاكمة فى الدول المجاورة لمصر، مثلما هو الحال مع حاكم إمارة الشارقة العربية الدكتور محمد سلطان القاسمى خريج دفعة ١٩٧١ ، والمهندس محمود الزغبى رئيس وزراء سوريا الأسبق خريج دفعة ١٩٦٣ ، وقد حرص الأول طوال السنوات الماضية على تقديم الدعم المادى والمعنوى، الذى أخرج الكلية من كبوتها الطويلة فى العقد الماضى الذى شهد عزوفا طلابيا كبيرا عن الالتحاق بها، بما أدى إلى انهيار الحد الأدنى للقبول بها إلى ٥٠ ٪، وسمح بقبول أعداد غفيرة من الطلاب غير مؤهلة لدراسة مناهجها ومقرراتها.
الطريق إلى الشهرة يبدأ منها
تاريخ الكلية العريق والممتد جعل منها قبلة الطامحين فى تولى مناصب الدولة العليا لعقود طويلة، بل أصبحت تنافس كلية مثل كلية الحقوق التى اشتهرت بأنها الطريق المؤدى إلى المناصب الوزارية والسياسية، حيث خرجت كلية الزراعة على مدى السبعين عاما الماضية ٢٥ وزيرا و ١٧ محافظا لأقاليم مصر المختلفة خلال الخمسة والسبعين عاما الماضية، إضافة إلى رئيس مجلس شعب أسبق هو المرحوم سيد مرعى دفعة ١٩٣٧ ، ورئيس وزراء مصر الأسبق كمال الجنزورى دفعة عام ١٩٥٧ .
كما خرجت الكلية عشرات الأعلام فى عالم من الأعلام فى مجالات البحث العلمى والأدب والفن والرياضة، ومنهم على سبيل المثال الدكتور كمال رمزى إستينو نائب رئيس الوزراء السابق ، والدكتور أحمد مستجير، والدكتور محمد نجيب حشاد والدكتور نجيب الهلالى جوهر رئيسا جامعة القاهرة السابقين، فضلا عن المهندس عدلى القيعى والمهندس مرسى عطا لله، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق، ومن مشاهير الفن خريجى الكلية عادل إمام وصلاح السعدنى والمنتصر باﻟﻠﻪ وحسين شعبان والفنانة محسنة توفيق.
الدولة كالعادة لا تهتم
الطابع الخاص لخريجى كلية الزراعة فى العقود السابقة، بدأ منذ اليوم الأول لإنشائها، حيث حرصت دوائر الخديوية ودوائر الأمراء وكبار الملاك الأجانب على توظيف عدد كبير منهم قبل ثورة يوليو بوزارة الداخلية، للعمل كمعاونى إدارة فمأمورى مراكز، وعندما تأسست الجمعية الزراعية الخديوية عين موظفوها من خريجى مدرسة الزراعة بالجيزة، ولما أنشئت مصلحة الزراعة عام ١٩١٤ كان خريجو هذه المدرسة هم موظفيها الفنيين، وإليهم ينسب تقدمها فى جميع شؤونها.
وكان من بين المزايا التى يتمتع بها خريجوها التوظف بالحكومة مما كان ذا أثر كبير فى زيادة الإقبال عليها. وعلى الرغم من كل الظروف المهيأة لنجاح تلك الكلية العريقة من حيث الإمكانيات والمساحات الشاسعة، التى لعبت دورا رئيسيا فى جعلها من أهدأ ساحات العاصمة الصاخبة، فإن تراجع اهتمام الدولة بخريجيها وتضاؤل فرص العمل فى القطاع الحكومى أمام خريجى كثير من أقسامها، وقسوة الحياة التى يعيشون فيها فى المزارع النائية فى الصحراء مع ضآلة رواتبهم، كل ذلك أدى فى العقود الثلاثة الأخيرة إلى تآكل بريق الكلية واختفائه خلف ستائر الإهمال والنسيان.
كلية ال 18 قسمًا
كلية الزراعة الأعرق فى الشرق الأوسط تضم بين جنباتها ١٨ قسما علميا، تم افتتاحها بالتتابع فى فترات زمنية متباعدة، وفقا لتطورات العصر، لكن أشهر أقسام الكلية على الإطلاق كان قسم الفلاحة وزراعة البساتين، بينما أصبح أكثرها إقبالا طلابيا قسم الهندسة الزراعية، الذى ظل طابعا منفصلا فى التنسيق عن الكلية منذ إنشائه وحتى العام قبل الماضى. بينما تأتى باقى الأقسام تحت مسميات الاجتماع الريفى والإرشاد الزراعى، الأراضى، الاقتصاد الزراعى، الألبان، أمراض النبات، الإنتاج الحيوانى، بساتين الزينة، بساتين الفاكهة، الحشرات الاقتصادية والمبيدات، والحيوان والنيماتولوجيا الزراعية، الخضر، الصناعات الغذائية، الكيمياء الحيوية الزراعية، المحاصيل، الميكروبيولوجيا، النبات الزراعى، الهندسة الزراعية، علوم الوراثة .