دماء الشهداء لا تتوقف، مواكب الحزن تطارد المصريين، فى أى مكان يرحلون إليه، ومن لم يدركه الموت فى مصر، أدركه فى ليبيا، ومن لم يقتله الإرهاب، تتكفل به حوادث السير، الموت فى مصر أصبح كالماء والهواء، يطرق أبواب المصريين كل صباح ومساء، الوطن يترنح، لا تقوى قدماه على الوقوف، دخل فى غيبوبة لم يفق منها بعد، ليست الأزمة فى ثورتين، ولكن فيمن يتاجرون بها، ويستنزفون وطنا مُعدما باسمهما، حكومات متعاقبة غير قادرة على إعادة ضخ الدماء فى عروقه المتجمدة، وزير يعتصم فى مكتبه حتى يشمله تشكيل الحكومة الجديد، هكذا تؤخذ الوزارة غلابا، الإضراب يسود جميع القطاعات، من الأطباء المترفين، إلى عمال القمامة المعدمين، الفقر يطارد أهالينا فى الصعيد، حدود الوطن مستباحة، إرهاب الإخوان لا يتوقف، صار الإرهاب جهادا فى سبيل الله، لو كان الرسول محمد حيا بيننا، أو الفاروق عمر شاهدا علينا، لأعدما المرشد وإخوانه فى ميدان عام، لا شئ يسر فى وطن يئن، الجسد مُتخم بالجراح، المسكنات تزيد الأوجاع ألما، الكهرباء تنقطع فى عز الشتاء، السيارات تقف فى طوابير خاشعة، أمام محطات تزويد الوقود، الفقر يتحد مع الإرهاب، ضد المصريين ، الأغنياء لا يمسهم سوء، لا الإرهاب ينالهم، ولا الفقر يطرق بابهم، ولا الثورات تؤثر عليهم، الأغنياء يزدادون توحشا، الفقراء ينزعون عن أنفسهم رداء الخوف، لا خوف بعد ثورتين، ولا أمن بعد ثورتين، فالوطن لم يعد يُطعم من جوع، ولا يأمن رعاياه فيه من خوف، ورغم كل ذلك.. اكتشفت مؤسسة الرئاسة أن الدولة قصرت فى عدم الاحتفال بعيد الفن على مدى أكثر من 3 عقود، فقررت إعادته، ففرح الفنانون بعيدهم، وظهر عواجيز الفن وشمطاواته فى أبهى طلة، ونسوا كالعادة الوطن وجراحه، لم يكن الوقت مناسبا لذلك، هناك أولويات أهم، فلم يأمن الخائفون، ولم يشبع الجائعون، ولم تجف أنهار دماء الشهداء، ولم تهدأ صدور ذويهم من الغضب، حتى تراقص الدولة فئة لا تعرف عن الوطن وهمومه وجراحه شيئا، الدولة ترقص على جثة الوطن المجروح، تنافق الفنانين، وكأن فى مصر فنا أو سينما، فراحت تمنح أرفع أوسمتها لمن خصصوا مسيرتهم لأفلام المجون والمشاهد الفاضحة، مثل عزت العلايلى بطل “ذئاب لا تأكل اللحم”، ورشدى أباظة وحسن يوسف وغيرهم ممن لم يقدموا عملا فنيا راقيا خالدا، حتى أن عادل إمام ، غضب أن التكريم لم يشمله، فتشاجر فى نفس اليوم مع ابنه فى البلاتوه، وأهانه أمام فريق مسلسله الجديد، وأشفقتُ على كتاب الله، الذى أهداه حسين فهمى، للرئيس، فالمصحف أطهر وأكرم من أن يمسه مثله.. وطننا لن يتقدم خطوة، طالما نصر على أن نفكر بنعالنا، ونمشى على رؤوسنا.