بحلول العاشر من فبراير الجاري، تبدأ رسميا رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، التي تمتد لمدة عام، ينتظر أن يكون حافلا بالعديد من الفعاليات والمناسبات القارية، التي تستهدف مصر تحقيق أكبر استفادة ممكنة منها لخدمة إفريقيا، وقبل ذلك خدمة دبلوماسيتها النشطة في القارة، وتحقيق العديد من المكاسب السياسية والاقتصادية.
ولعل أول المكاسب التي يمكن أن تحصدها مصر من رئاستها الاتحاد الإفريقي يتجسد في تعزيز نجاح برنامج تبنته الرئاسة المصرية منذ سنوات، سعت من خلاله إلى تأكيد حضورها القوي في أغلب الملفات الإفريقية وطرح نفسها في العمق الإفريقي اقتصاديًّا وسياسيًّا.
ويأتي ذلك البرنامج النشط محاولة لإعادة ملء الفراغ الذي خلفه غياب مصر عن الساحة الإفريقية لعقود عديدة، بلغت ذروتها مع تجميد عضوية مصر في الاتحاد عام ٢٠١٣.
ورغم أن مصر كانت من المؤسسين الأوائل لمنظومة التعاون الإفريقي عام ١٩٦٣، والتي حملت اسم منظمة الوحدة الإفريقية، لكن الحضور المصري طيلة نصف القرن الماضي، لم تكن تتناسب مع ذلك الحضور الطاغي في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الأمر الذي سمح لقوى كثيرة بعضها غير إفريقية بأن تملأ الفراغ الذي خلفه غياب مصر عن القارة السمراء، وخسرت القاهرة الكثير نتيجة هذا الغياب، لعل أخطر تلك الخسائر كان تهديد أمنها المائي.
ومن هنا يأتي المكسب الثاني الذي يمكن أن تحققه مصر من رئاستها الاتحاد الإفريقي، وهو ممارسة المزيد من الضغط في ملف حماية أمنها المائي، الذي بات مهددا بسد النهضة الأثيوبي، خاصة بعدما أثبتت أديس أبابا عدم التزامها بأية تعهدات أو اتفاقات تحول دون الإضرار بالأمن المائي المصري، واتباعها نهجا التوائيا مخادعا، وضع القاهرة تحت ضغوط عديدة.
كما يمكن للقاهرة توظيف رئاستها الإفريقية في تعزيز زخم حضورها على الساحة الدولية، فمصر تسعى إلى تأكيد عودتها كدولة فاعلة على الساحة الإفريقية، واستثمار علاقاتها الدولية في تسهيل العديد من الملفات الحيوية بالنسبة لها، مثل الملف الفلسطيني، والليبي والسوري، وكلها ملفات معقدة ترتبط بتوازنات دولية متشابكة، تتطلب لمن يريد خوض غمارها أن يتحلى بدور دولي مؤثر، وربما تكون البوابة الإفريقية مدخلا مناسب لذلك، لا سيما في ظل التطلع الدولي للتواجد على أرض قارة المستقبل .. إفريقيا.
وهنا ينبغي الالتفات إلى أهمية الملف الاقتصادي، الذي يسير بموازاة المكاسب السياسية، فقد كشفت مصر في السابق عن جزء من خطتها في إفريقيا عندما أعلنت عن خطة استثمارية في القارة السمراء بقيمة 50 مليار دولار، وتحقيق مصالح مزدوجة من خلال التواجد بكثافة في القارة السمراء ومساعدة الاقتصاد المصري على التحسن.
وتعتبر قارة إفريقيا أقل القارات استثمارًا من الأجانب رغم أنها تتمتع بمساحة كبيرة؛ ما يجعلها من أكثر التربات خصوبة لمجال الاستثمار، وكل الدول الإفريقية تملك كل العوامل التي تجعل من المستثمر يحصل على أعلى العوائد لاستثماره.
بوادر نتاج الشراكة مع الجانب الإفريقي ظهرت عندما أكد هان بينج الوزير المفوض للشؤون الاقتصادية والتجارية بسفارة الصين بالقاهرة أن رئاسة مصر لدورة الاتحاد الإفريقى تؤسس لتحقيق التنمية الشاملة مع الصين، منوهًا إلى وجود أكثر من 10 مشاريع استراتيجية كبرى مع مصر جاءت كنتاج لمشاركة مصر بقوة في النشاط الاقتصادي الصيني – الإفريقي.
ويتوقع مراقبون أن تسعى مصر إلى الاعتماد على دبلوماسية التفاوض الجماعي مع التكتلات العالمية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي والآسيان وبريكس وغيرها، لضمان مكاسب أكبر للقارة.
كما يمكن للقاهرة أن تستغل رئاستها للاتحاد الإفريقي من أجل إعطاء دفعة قوية لمشاريع اقتصادية تتبناها للعمل القاري، مثل إنشاء منطقة للتجارة الحرة الإفريقية، ودعم البنية الأساسية لربط القارة الإفريقية بمحاور الطرق في مصر، ومنها إيصال بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، ودعم شبكة للسكك الحديدية تمتد لإريتريا والسودان.
إن ذلك لا يعني أن طريق مصر في الأدغال الإقريقية سيكون مفروشا بالورود، بل ستكون هناك منافسة محتدمة مع قوى قارية، وأخرى غير إفريقية سيزعجها بلا شك عودة الحضور المصري لملء الفراغ، لأن هذا الفراغ هو مساحتها المتاحة للتحرك، وهو ما سيمثل تحديا حقيقيا أمام الإرادة والرؤية المصرية لتحقيق مصالحها الوطنية والقارية على حد سواء.