تفاقمت أزمة فوضى المتحدثين باسم الدين الإسلامي على الفضائيات، حيث أعتاد المصريون كل فترة على ظهور أحد من يطلقون على أنفسهم داعية إسلامي بآراء شاذة تتصادم مع ما يرونه صحيح الدين لتثير بلبلة وجدل لا ينقطع.
وكانت آخر هذه الافتكاسات خروج تصريحات بذيئة من أحد هؤلاء الأدعياء على إحدى القنوات معبراً عن جهله بأبسط أمور الدين .. هاجم الشيخ محمد عبدالله نصر، خطيب ميدان التحرير، كتاب صحيح البخاري وتوثيقه للأحاديث النبوية وأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، واصفًا صحيح البخاري بأنه مسخرة للإسلام، مشددًا على أن الإمام البخاري بشر يصيب ويخطئ والدين لا يكتمل أو ينقص بكتابه.
وأوضح نصر، خلال حواره ببرنامج 90 دقيقة على قناة المحور أن كتاب البخاري تناول أمورًا مهينة لرسول الإسلام وزعم أنه مسحور، وادعى على النبي أنه كان يعيش على الغنائم وتناول حديثًا يثير السخرية عن زنا القرود.
واستضاف البرنامج، خلال نفس اللقاء، الدكتور محمد فرحات الداعية السلفي للحديث حول قضية عذاب القبر، حيث دخل في مشادة كلامية مع خطيب مسجد التحرير، مفتيًا بجواز إرضاع الكبير بقوله لا مانع من الإرضاع وسوف آتي بالحديث وأفسره.
وفي الواقع لم تكن هذه الآراء الشاذة هي الوحيدة الصادمة .. فمنذ أيام أثار فيديو للداعية السلفي أسامة القوصي عبر موقع اليوتيوب، حالة من الجدل الكبير والاستنكار بين النشطاء علي مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث أظهر الفيديو فتوى للقوصي يفتي فيه بوجوب رؤية الشخص المتقدم لخطبة أي فتاة أن يرى من جسدها ما لا تريد أن تجعله يراه.
جاء ذلك الرد من الشيخ السلفي، ردًا على أحد الأسئلة التي طرحها عليه أحد الحاضرين أثناء إلقائه محاضرة دينية.
وقال: إن من استطاع أن ينظر إلى من يريد أن يتزوجها فليفعل، ومن الممكن أن يختبئ حتى يرى ما لا تريده أن يراه دون حرج، ما دام صادقًا ويريد أن يتزوجها فالأعمال بالنيات، موضحًا أن الشخص عليه أن يطمئن على المرأة التي يتزوجها وخاصة مسألة الجمال والجسد، وبعدها يتوكل على الله ولا حرج عليك.
وأضاف القوصي مؤكدا: نعم أنا فعلت.. زاعمًا أن أحد صحابة رسول الله أكد أنه فعل ذلك واستنكر منه البعض إلا أن الرسول محمد صلي الله عليه وسلم أكد أنه يجوز رؤيتها
ومنذ شهور سادت حالة من الجدل الواسع في الشارع المصري، حول فتاوى «جواز اغتصاب الزوجة»، و«زواج المتعة حلال»، و«الدفاع عن مرسي جهاد أهم من العمرة» و«هدم الأهرامات»، و«معارضي مرسي خوارج لا دية لهم»، و«تحريم الانضمام لحزب الدستور»، و«تحريم تحية العلم»، و«جواز الإفطار في رمضان أثناء الاعتصام في رابعة العدوية».
حيث أكد ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، وجوب دفاع الزوج عن عرضه إذا كان هناك احتمال بالدفع، وأن هذا ما قاله النبي، صلى الله عليه وسلم: «من قُتل دون عرضه فهو شهيد»، مشيرا إلى أنه في حال تيقن الزوج بوقوع مضرتان القتل والاغتصاب، فيجوز له أن يدفع بالاغتصاب حفاظا على النفس.وأضاف نائب رئيس الدعوة السلفية: «سيدنا إبراهيم لما جاء إلى مصر، وطلب الجبار إمرأته سارة فقال إنها أختي، ويقصد أنها أخته في الإسلام، حتى لا يُقتل وتُؤخذ، ووقف يصلي ويدعو الله أن ينجيها وقد نجاها الله».
«برهامي»: لا يجوز للزوج قتل زوجته «الزانية» وعشيقها لمجرد رؤيتهما عاريين
قال ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، إن قتل الزوج لزوجته وعشيقها حال التلبس بوقوع الزنا- منها والأجنبي- «بشرط رؤية الفـَرْج في الفَرْج» هو مِن باب دفع الصائل، ولا يُقبَل شرعًا في الدنيا ادعاؤه «إلا بالشهود أو اعتراف أولياء القتيلين»، حسب قوله.
وأضاف «برهامي» فى فتوى له على موقع «أنا السلفي»: «لا يجوز قتل الزوجة إلا إذا رأى الفرج في الفرج وأما بعد حال التلبس، فإقامة الحد إلى الحاكم الشرعي، والافتئات عليه حال وجوده وقيامه بالشرع يستحق صاحبه العقوبة في الدنيا والآخرة ولا يجوز له القتل لمجرد رؤيتهما عاريين ما لم يرَ الفَرْج في الفَرْج».
كما قال الدكتور سعد الدين الهلالي، رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن زواج المتعة «حلال» بشرط أن يقبله النظام العام والمجتمع.
وأضاف «الهلالي» في لقاء له على قناة «القاهرة والناس»: «أن الزواج أمر يتعلق بالمدنية، ولو كان المجتمع المصري متصالح مع ذاته مثل إيران فإنه يتقبل ذلك».
وتابع: «إن مصر مجتمع بالفعل متصالح مع ذاته، ويظهر ذلك من خلال انتشار الزواج العرفي في مصر وهو زواج المجتمع يقبله، على حد قوله». وأوضح، أن الرئيس المعزول محمد مرسي ضحك على الناس باسم الدين، وأن الرئيس المخلوع «مبارك» كان مظلوما وضحية وحمى الشعب من «الإخوان»، وكان كتوما ولا يريد فضحهم، على حد قوله.
كما أفتى الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، في أغسطس 2013، بوجوب قتال المشاركين في مظاهرات ضد الرئيس السابق محمد مرسي، واعتبرهم «خارجين على ثورة يناير»، واتهمهم بجريمتي «الخيانة العظمى لله والوطن ورسوله والمؤمنين، والحرابة الكبرى»، ووصفهم بـ«الخوارج».واستشهد هاشم إسلام بعدم جواز المشاركة في مظاهرات ضد مرسي، قائلا: «الآيات والاحاديث كثيرة وأذكر منها ما ورد في صحيح مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم، (ومن بايع إمام فأعطاه صفقه يده و ثمره قلبه فليطعه إن استطاع وإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الأخر)».
أما الداعية السلفي محمد عبد المقصود فسبق له أن أفتى بأن الاعتصام في ميدان رابعة العدوية، اعتصام أقامه مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي بعد بيان 3 يوليو الذي أعلن فيه المشير السيسي من أجل مرسي أهم من أداء العمرة لأننا في جهاد.
كما أفتى عبد الآخر حماد، مفتي الجماعة الإسلامية، فتوى حرّم فيها تحية العلم والنشيد الوطني في المراسم، لأن الوقوف فيهما تعظيما لمن لا يرضى الشرع بتعظيمه، وأن الاستماع للموسيقى محرما بإجماع الأئمة الأربعة.
وردت دار الإفتاء عليه بفتوى نصها: «إذا كانت تحية العلم في المحافل العامة علامة الاحترام وتركه يؤكد على عدم الاحترام فهذا أمر جائز، والسلام الوطني هو مقطوعة موسيقية ملحنة وعزف في الحفلات العسكرية والمناسبات العامة، الموسيقى لا حرمة في سماعها فهو صوت حسنه حسن وقبيحه قبيح وما ورد في تحريمها صريحه غير صحيح وصحيحه غير صريح».
كما طالب الشيخ مرجان سالم الجوهري، القيادي بالدعوة السلفية الجهادية، بتحطيم الأصنام والتماثيل التي تمتلئ بها مصر، وقال إن المسلمين مكلفون بتطبيق الشرع، ومنها إزالة تلك الأصنام.
وأضاف في تصريحات تليفزيونية: «حطمنا تماثيل بوذا في أفغانستان، ومكلفون بتحطيم الأصنام وسنحطم تماثيل «أبو الهول» و«الأهرامات» لأنهم أصنام ووثن تعبد من غير الله، ومن ثم فهم مكلفون بتحطيمها.علي جمعة وجواز تقبيل ضريح الإمام الحسين
بعد كل هذه ىالفتاوى المثيرة للجدل، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانات متعددة أكدت فيها أن «الفتاوى أصبحت أحد أكثر القضايا التي تحتاج إلى مزيد الضبط والتأصيل، في فوضى الفتاوى وانتقالها من الاجتماعي إلى السياسي لتهدد وتروع وتحرض وتشعل الفتن وتدعو إلى القتل وتبيحه، بما يضع المجتمعات كلها دون استثناء فوق بركان يتطاير شرره بالفعل في خضم الواقع السياسي المتصارع».
وأوضحت دار الإفتاء أن تصاعد الفتاوى السياسية الصادرة من غير المتخصصين منذ ثورة 25 يناير 2011 خاصة مع صعود التيارات الإسلامية، يكشف يقيناً توجيه هذه الفتاوى لخدمة أهداف سياسية حزبية معينة، وتوظيف الدين لاستقطاب الأتباع، واستغلال شغف الناس بالدين من أجل سحب البساط من تحت أقدام منافسيهم بإطلاق فتاوى تكفير المعارضين والمثقفين، ثم أفراد الجيش والشرطة الذين اعتبرهم أصحاب تلك الفتاوي التكفيرية «طاغوتاً»، وكان نتيجة تلك الفتاوى سقوط الكثيرين من أفراد الجيش والشرطة شهداء وضحايا عمليات إرهابية جاءت استجابة لتلك الفتاوي الضالة والمضلة.