كلنا نعرف عملية حرق الموتى، وإلقاء بقايا رمادهم في البحر أو الجو، أو الاحتفاظ به في قنينة صغيرة للذكرى، تقليد جنائزي هندوسي أو بوذي، لكن الغرب اتخذ منه عادة هو الآخر بدون شكلٍ عقائدي أو ديني كما يفعل الهندوس، لكن هُناك عالمًا ما، لم يُلقى رماد جثته في البحر أو في الهواء، أو يوضع في قنينة في رُكنٍ خاص من البيت، لتترحم عليه عائلته كلما تراه، لكن رماده وُضع في مكانٍ يراه العالم أجمع كُل يوم، على سطح القمر.
مايكل شوماخر، الذي وُلد في 28 أبريل 1928، كان عالم في الجيولوجيا، طامحًا واعدًا، كان يريد دومًا أن يصبح رائد فضاء، وبالفعل تقدّم للعمل بوكالة «ناسا»، وخضع للاختبارات المؤهلة لرواد الفضاء، لكن لمشاكل صحيّة تحطم حُلم «شوماخر»، أو هكذا ظن.
وبحسب أسوشياتيد برس، فإن «شوماخر» عمل بعد ذلك في التحضير للعديد من الرحلات الفضائية الأمريكية، كعالمٍ في الجيولوجيا، وخبيرٌ في التراكيب الصخرية للكواكب، وكان هو ضمن فريق التحضير لرحلة «أبولو» التي حطت على القمر، فهو من صرح لرواد الرحلة عن الحفر المنتشرة على سطح القمر، واكتسب شهرة عالمية لمشاركته في اكتشاف المُذنب شوماخر –ليفي 9، الذي سقط على سطح المُشترى في 1994.
رغم أن «شوماخر» كان له دور كبير في التحضير لكثير من رحلات الفضاء، لكن حلمه القديم لا زال يراوده، فهو يشعر أن مكانه داخل المكوك الفضائي، لا خارجه يُشاهد إقلاعه عن سطح الأرض، وقبل موته بقليل أخبر قريبين منه أن أكثر خيبات الأمل في حياته، هي عدم الذهاب إلى القمر.
مات «شوماخر» في 18 يوليو 1997، عن عمر ناهز 69 عامًا، ورأت «ناسا» أن أفضل تكريم له هو تحقيق حلمه الذي طالما أراد تحقيقه طوال حياته، فقررت وكالة الفضاء، نقل رماده في قنينة لتوضع في حُفرة على سطح القمر، تلك الحفر التي درسها جيدًا وكان خبيرًا فيها، وسطح القمر ذاك الذي حلم أن يخطو عليه دومًا.
في نهاية يوليو 1999 وبعد الذكرى الثانية لوفاته بأيام، كانت الرحلة التي ستأخذ رماد جثة «شوماخر» إلى الفضاء، في قنينة ملفوف عليها قطعة من النحاس، منقوش عليها صورة لمذنّب «هيل بوب»، صورة لحفرة النيزك في أريزونا، وفقرة من رواية «شكسبير» الشهيرة «روميو وجولييت»، تقول: «وعندما يموت، خذوه وقطّعوه نجومًا صغيرة، سيجعل وجه السماء جميلًا، لدرجة أن الناس سيُفتنون بالليل، ويتوقفوا عن تعظيم تلك الشمس المتوهجة».