“طلعت ريحتكم”! شعار ارتأت مجموعة شباب من المجتمع المدني أن تتوجه فيه الى السياسيين المسؤولين عن أزمة نفايات متفاقمة في البلاد منذ أكثر من شهر دون حل.
واذا كانت الروائح النتنة للنفايات مستجدة، فإن حالة الخلل في المؤسسات السياسية بدأت منذ فترة وتتجلى اليوم بشكل واضح.
فليست أزمة النفايات سوى واحدة من أزمات متعددة في البلاد، على رأسها الانقطاع المتزايد للتيار الكهربائي بالرغم من وعود وافرة منذ انتهاء الحرب عام 1990 بعودة الكهرباء بشكل كامل.
حالة خراب
هذه المشكلات ليست مفاجئة، فهي مظهر من مظاهر أزمة النظام في البلاد.
ومنذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما في عام 1990، لم يوجه أي اهتمام للاستثمار في البنية التحتية. وكانت البلاد في حالة خراب وكذلك الخدمات الأساسية.
منذ أكثر من شهر حتى الآن يعاني لبنان من تكدس القمامة
وبخلاف وسط بيروت، لم تطبق سوى مشروعات قليلة لتحسين جودة الخدمات في شتى أرجاء البلاد.
وبينما لم تبد أي من الحكومات المتعاقبة أي رعاية بشأن التخطيط والمشروعات طويلة الأجل، اعتمد الناس على مزودي الخدمات من الشركات الخاصة وغير الرسمية.
وظهر نظام مواز ولم تعزز الدولة من قدرتها للوفاء بمسؤوليتها والتصدي للمشكلات الرئيسية بطريقة مستدامة.
ولا يتعلق الأمر فقط بعدم الكفاءة في نظام التشغيل اليومي في البلاد، فالمشكلات المزمنة لها جذور عميقة.
تكفي بعض الحقائق الرئيسية لإظهار مستوى الخلل في البلاد. فلبنان بلا رئيس منذ أكثر من 450 يوما. وفشلت الجلسة البرلمانية الـ27 لاختيار رئيس في أغسطس مثلما اخفقت الجلسات السابقة. ويعاني لبنان من انقسامات سياسية عميقة هي مرآة للانقسامات الاقليمية.
فقد عجز النواب المتحالفون مع قوة فاعلة أو اخرى في المنطقة، عن اختيار رئيس لهم، وهو دور بسلطات تنفيذية ضعيفة يتولاه مسيحي في نظام حكم يقوم على تقاسم سلطة بين الطوائف.
وكما تعطلت الانتخابات الرئاسية، تعطل عمل البرلمان. ومددت فترة النواب مرتين، مع تجاهل الدعوة لإجراء انتخابات والتمثيل الشرعي.
بيروت عام 1980: تركت الحرب الأهلية البلاد في حالة خراب
كما عجزوا عن الاتفاق على استمرار التشريع قبل انتخاب رئيس أم لا. وكانت النتيجة حدوث شلل في البرلمان لأكثر من عام.
دائرة مفرغة
وما تبقى عبارة عن حكومة عرجاء، تجتمع جلسة بعد جلسة، لمناقشة ما إذا كان قرارها ينبغي أن يجري تبنيه من خلال توافق أو أغلبية بسيطة في غياب رئيس الدولة الذي يملك حق رئاسة جلسات الحكومة.
وبذلك تكتمل دائرة الشلل المؤسسي.
ويقول ماريو أبوزيد باحث بمركز كارنيغي: “هذا الموقف الدستوري هو الأسوأ منذ استقلال لبنان”.
كلف هذا الخلل السياسي لبنان، وهو بلد مثقل بالديون، الكثير بما في ذلك منح ومساعدات دولية تقدر بنحو مليار دولار. وامتدت الأزمة مؤخرا إلى مناصب رئيسية أخرى في البلاد.
ميشيل سليمان استقال من منصبه كرئيس للبلاد في مايو 2014 ولم يخلفه أحد حتى الآن في تولي المنصب
فمن المقرر أن تنتهي المدة الحالية لقائد الجيش، وهو منصب مسيحي آخر، في سبتمبر. أشهر من خلافات في الحكومة حول تعيين قائد جديد لم تفلح بالتوصل الى نتيجة. الى ان قرر وزير الدفاع بشكل منفرد، تمديد فترة منصب القائد الحالي، ما يعني عمليا تأجيل الأزمة لمدة عام واحد قبل أن تعود المشكلة لتظهر مجددا.
وبحسب الصحافي في جريدة النهار، نبيل بو منصف، فإن “التمديد علامة على الفشل العام. لم يربح احد المعركة بل ان الحكومة هي أكبر الخاسرين”.
وما يقصده هو أن اللجوء لخيار تمديد فترات المناصب بدلاً من تعيين قادة جدد يعد واحداً من علامات عدم قدرة النخبة السياسية على جسر خلافاتها والاستمرار في إدارة شؤون الدولة حتى ولو في حدها الأدنى.
الشعب ضاق ذرعا بنا”
الا ان تمديد ولاية قائد الجيش أثار غضب جماعة سياسية مهمة وهي التيار الوطني الحر الذي دعا لتظاهرات احتجاجا على قرار الوزير.
غير ان رد فعل أحد الوزراء من الموقع السياسي المنافس جاء معبرا.
فقد قال: “لا يستطيع منافسونا ولا نحن في الوقت الراهن حشد قواعدنا. الشعب ضاق ذرعا بنا جميعا. ما يهمهم هو حجم وجود القمامة في الشوارع، ورواتبهم والقضايا اليومية الأخرى، وهم يعلمون تماما أن القرارات الرئيسية ربما تتخذ خارج مجلس الوزراء أو ربما خارج البلاد برمتها”.
تسليم أم هروب من المسؤولية؟ أيا كان الحال، فإن الكثير من الناس أصبح لديهم لامبالاة تجاه تفشي الفساد وعجز النخبة السياسية.
منذ بدء النزاع الدائر في سوريا نظر العالم الخارجي إلى لبنان باعتباره البلد الذي يواجه خطر انتقال النزاع إليه.
وعلى الرغم من تعرضه للعديد من الخروقات الأمنية التي يعتقد أنها مرتبطة بالنزاع في سوريا، وحدوث مواجهات مباشرة مع بعض جماعات المعارضة السورية في إحدى البلدات الحدودية في أغسطس الماضي، إلا أن لبنان ظل مستقرا نسبيا على المستوى الامني.
يبقى الموقف السياسي داخل لبنان هو الأكثر إثارة للقلق في الوقت الراهن.