لو عايز تشوف روعة باريس وسحر فيينا ونظافة لندن ونظام برلين، كله في مكان واحد، يبقي لازم تزور القاهرة”، دي مقولة كانت مشهورة جداً في كل أنحاء العالم في بدايات القرن العشرين.
حجاجوفيتش كان مسافر بالأوتوبيس داخل الدنمارك في الفجر وماكنش في أي حد معاه غير السواق “هينز” الراجل الدنماركي العجوز اللي في الصورة ده، وابتدوا يتكلموا مع بعض، وأول ما عرف إنه مصري، “هينز” قفل الراديو اللي كان بيسمعه وقعد يحكيله عن ذكرياته الجميلة في “مصر” اللي هو عاش فيها طفولته وشبابه زمان، “مصر” اللي الجيل بتاعنا سمع عنها و لكن من حظه السئ إنه مشفهاش.
“هينز” الدنماركي إبتدي كلامه بإنه بيعتبر أبوه كان أحسن وأذكي أب في العالم، لأنه هاجر بيه وبإخواته للقاهرة وطلب إنهم يبقوا لاجئين في مصر في الأربعينيات وقت لما مصر كانت أحلي وأأمن و أنظف من أي دولة أوروبية، وكانت من أغني دول العالم، وكان حلم كل إنسان إنه يزورها، ولو عرف إنه يعيش فيها بيبقي مش محتاج أي حاجة تانية من الدنيا !!
“هينز” حكي لحجاجوفيتش إن والده عمل كل حاجة يقدر يعملها، وباع كل شئ كان يمتلكه عشان يعرف يهاجر لمصر، لأن اللي كان بيعرف يوصل لمصر بأي طريقة سواء برية أو عن طريق البحر في مركب تهريب، ويطلب لجوء فيها كان يعتبر من أكتر المحظوظين في العالم، لأن الناس اللي مش محظوظة كانت بتهاجر أستراليا ونيوزيلاندا وأمريكا والبرازيل والأرجنتين، وكانت الدول دي تعتبر درجة تانية وتالتة جنب مصر.
كان الباسبور المصري من أقوي باسبورات العالم، وكانوا المصريين مش محتاجين فيزا لأي مكان، وكان الأجنبي إللي يعرف يشتغل أي شغلانة في مصر حتي لو غسيل صحون كان بيعتبر غني في أوروبا لأن الجنيه المصري كان في الوقت ده يساوي جنيه ذهب+ ٥ قروش، وكان الجنيه المصري يتبدل بحوالي ٨ دولار أمريكي.
كانت مصر دولة الأحلام، فيها قطارات ومش كتير في العالم كان يعرف يعني إيه قطر، وفيها التاكسي كاديلاك، والشوارع بتتغسل كل يوم بالمياة والصابون، ومصر كانت أكبر مصدر للقمح والقطن، وكانت بتبعت سفن محملة بالقمح والملابس كمعونات إنسانية لبلاد أوروبا الفقيرة جداً اللي فيها مجاعات زي بلجيكا وهولندا والسويد والنرويج وبلدي الدنمارك، عشان ياكلوا ويتكسوا …
“هينز” قعد يحكي حاجات كتيرة أوي عن قد إيه مصر كانت معجزة في كل حاجة بالنسبة لكل بلاد العالم التانية، وإن الشباب الأوروبيين والأستراليين والأمريكان -خاصاً البنات- كانوا بيحوشوا كل فلوسهم عشان يسافروا لمصر لأنها كانت من أكتر دول العالم اللي فيها إحترام للمرأة وحريتها، وكانت القاهرة هي عاصمة الموضة في العالم، وماكنش في حاجة إسمها تحرش، و يا سلام لو عرفوا يدرسوا في جامعاتها، عشان أي حد ياخد شهادة جامعية في القاهرة ممكن يروح يشتغل بيها في أي حتة في العالم لأنها من أقوي الشهادات ومش محتاجة أي معادلة.
ولكن مع مرور السنين مصر إتغيرت جداً عن اللي كانت عليه أيام طفولتي وشبابي وإبتدي التعليم والصناعة والصحة ينهاروا، وده أدي إلي إنهيار حاجات تانية كتير وخلاني أنا وإخواتي ومعظم الأجانب نهاجر تاني لبلادنا عشان مستقبل أبنائنا وأحفادنا،
والسؤال اللي محيرني كل السنين دي … إنتوا ليه عملتوا في بلدكم كدة ؟!
حد فيكم عنده رد لسؤال “هينز” المؤلم؟
*ملحوظة: الصورة لـ حجاجوفيتش وهينز في الدنمارك.