كان في صنعاء في اليمن ملك من التابعية (قوم تبع) ويقال له ذو نواس، وكان يهودي الديانة فبلغه أن رجلاً من النصارى وصل إلى أرض نجران يدعو الناس إلى النصرانية قائلا لهم : إن عيسى بن مريم نسخ بشريعته شريعة اليهود، فأحبه الناس وآمن به أهل نجران، فغضب الملك ذو نواس وسار إليهم بجنود من حمير، وأمر بشق أخدود كبير (شق) وأحضر الحطب و الوقود وأشعل النار، وصار يأتي بواحد واحد بأن يرجع عن الديانة النصرانية ويرضى باليهودية، فإن أطاعه تركه، وإن أبى أحرقه بتلك النار المحرقة.
لم يترك أحداً من شيخ عجوز أو طفل صغير أو إمراة إلا وألقاه في تلك النار المحرقة، وكان يستمتع ويتلذذ في مناظر أولئك المؤمنين وهم يحرقون.
لم يبق بذلك أحد من النصارى، وكان كل من بقي من اليهود فقط، ولم ينقم أولئك اليهود على النصارى في ذلك الزمان، إلا أنهم آمنوا بالله تعالى رباً وتمسكوا بدينهم وإيمانهم، فكان فعلهم مستوجباً لغضب الله ولعنته، ونزول نكال الدنيا وعذاب الآخرة.