أحياناً يكون العوز والفقر هو المُحرك الأساسي نحو النجاح والتميُز، ربما لم يخطر ببالها يوماً وهي طفلة صغيرة ترعى الأغنام في المغرب، أنها يوماً ما ستُصبح وزيرة التعليم في دولة من أكبر دول أوروبا، لتكتب بذلك تاريخاً يظل راسخاً في العقول ومرشداً لكل من يلوم الصعاب ويلعن الظروف التي أتت به فقيراً إلى هذه الحياة.
إنها رحلة حياة وزيرة التعليم الفرنسي، المغربية نجاة بلقاسم، شابة لا يزيد عمرها عن 36 عاماً، استعرضت صحيفة “نيويورك تايمز” مسيرة حياتها، بدأتها بصورها وهي طفلة ترعى الأغنام في المغرب قبل أن تهاجر مع والدها إلى فرنسا، لتُصبح بعد ذلك وزيرة التعليم الفرنسي..
تحدثت نجاة عن تفاصيل حياتها في المغرب عندما كانت ترعى الأغنام، وكيف قضت سنواتها الأولى في حالة من الفقر، والحاجة. حيث كان والدها يعمل في البناء بفرنسا، وألتحقت هي ووالدتها وشقيقتها الكبرى بالوالد عندما كان عمرها 4 سنوات، وقد ولد أشقاؤها الخمسة في فرنسا.
وتقول نجاة التي تعتبر من أكثر سيدات فرنسا تعليما “كانت للمدرسة دوما دوراً كبيرا ومؤثراً في رحلتي الشخصية، فقد سمحت لي بالانفتاح على العالم، وبالحياة الاجتماعية كذلك كما سمحت لي بإثراء ذاتي، وبالتعلم والإدراك”.
سياسية بالصدفة.
كانت انتخابات عام 2002 نقطة تحول بالنسبة لها. لم تكن لدى أسرتها اهتمامات سياسية، لكنها فجأة انخرطت في الحياة السياسية، حين تمكن المرشح الرئاسي للجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من اكتساب العديد من الأصوات لدخول جولة الإعادة، فانضمت إلى الحزب الإشتراكي الفرنسي على أمل أن تحدث فرقا ما.
وقالت نجاة بلقاسم “كنت خجولة ومتحفظة للغاية، ولذلك كانمن الصعب أن أنخرط في العمل السياسي وهو يتعارض مع شخصيتي، لكنني قررت أن أعلن التزامي مدى الحياة بمحاربة الظلم الاجتماعي، ومناهضة عدم المساواة، وكان ذلك هو السبب وراء كوني يسارية حتى النخاع”.
وبالفعل مشاركاتها كان لها أثرها، وسرعان ما إرتقت السلم السياسي، وكانت عضواً في مجلس مدينة ليون عام 2013، ثم أصبحت المتحدثة الرسمية باسم المرشحة الرئاسية للحزب الاشتراكي “سيغولين رويال” عام 2007، والتي خسرت الانتخابات الرئاسية أمام نيكولا ساركوزي، وعندما دخل الرئيس هولاند الإنتخابات الرئاسية في 2012، عين نجاة بلقاسم في منصب المتحدثة الرسمية باسم الحملة الانتخابية، وعقب فوز هولاند بالرئاسة، عينها في منصب وزيرة حقوق المرأة والمتحدثة الرسمية باسم الحكومة.
تم تعيين بلقاسم وزيرة للشباب والرياضة، ثم إنتقلت في أغسطس إلى منصب وزيرة التعليم، وهو منصب رفيع المستوى تولته قبلها شخصيات بارزة مثل “جول فيري”، الذي قام في عام 1880 بمقاومة سيطرة الكنسية الرومانية الكاثوليكية على التعليم الفرنسي.
لم يرحب الجميع في فرنسا بصعود “نجاة بلقاسم” الصاروخي في عالم السياسة، فقد وجه المسلمون في فرنسا الانتقادات إليها إثر دعمها للخط العلماني الفرنسي على حساب الإسلام، ونفت بلقاسم ذلك بشدة حيث قالت إنها “خففت من القيود المفروضة على الأمهات المسلمات المرتديات للحجاب خلال الأنشطة المدرسية، مثل الرحلات الميدانية”.
هوجمت نجاة بلقاسم من قبل وسائل الإعلام المحافظة، حيث وصفوها بـ”آية الله”، ورأوا أن تعيينها في منصبها الجديد يعد بمثابة “استفزاز” وسط توقعات من جانبهم أنها تسعى لأسلمة المدارس الفرنسية، وكان ردها عن طريق تأمين تمرير القوانين التي تعكس الليبرالية العلمانية للحزب الإشتراكي الحاكم، بما في ذلك حظر المضايقات الجنسية وتعزيز المساواة بين الجنسين.
تعترف نجاة بلقاسم أن مسارها يبدو غير اعتيادي بالنسبة لكونها من المهاجرين إلى فرنسا، إلا أنها تشجع باقي الأطفال المهاجرين على عدم التخلي عن أحلامهم قائلة” ليس عيبا أن نفشل طالما أننا نستمر في المحاولة، لقد كانت أمي دائما تقول لي لا تقلقي، إن بالحياة خيالا وأحلاما أكبر مما تتصورين”.