وقف الرجل الساحر تتابعه أعين رجال أتى لهم في مهمة دبلوماسية، كل الأجواء المحيطة لم تكن تتسم بمراسم البروتوكول المعروفة للرحلات الدولية، لم يكن هناك مراسم استقبال ولم تكن هناك سجاجيد حمراء ولا عزف السلام الجمهوري، بل كان وحيدًا يتحدى خطرًا حذر منه ولم يكترث، كان سينفذ مهمته بأي شكل كان وبأي ثمن، حتى وإن كان الثمن الرقص بالملابس الداخلية.
كانت مصر وبريطانيا قد دخلوا فى جدال حول الأحقية فى حكم السودان، عام 1953، فبينما تقع السودان تحت السيادة المشتركة مع الاحتلال البريطانى، يقول المصريون، والذى سيطروا عليها لفترة طويلة، إن من حق السودانيين في فرصة للاستقلال إذا أرادوا، كما ذكرت مجلة LIFE الأمريكية، في عددها ليوم 26 يناير من نفس العام.
وفى إطار سعى مصر لكسب أصدقاء فى السودان، ومن أجل استشفاف ما تفكر فيه القبائل السودانية الغير متعلمة بخصوص مستقبلها، كان قرار اللواء محمد نجيب، حاكم مصر فى ذلك التوقيت، إرسال ضابط جيش قيل إن كاريزمته ساحرة ، يدعى صلاح سالم، فى رحلة دبلوماسية إلى أرض السود ، كما أطلق عليها يومًا، لكن سالم تم تحذيره بأنه يمكن أن يكون فى خطر بين القبائل البدائية.
لم يكترث سالم كثيرًا لتلك التحذيرات، وحمل معه الحُلى ليوزعه على القبائل، كما أعطى زعماء القبائل الفرصة للنظر إلى المرآة لأول مرة فى حياتهم، قبل أن يلقى عليهم خطبًا معادية لبريطانيا.
إلى هنا لم تكن الرحلة الدبلوماسية لسالم قد اتخذت أهم منحنى لها، ذلك الذى أتى مع زيارته لقبيلة يلوتى والتي قدم حاملي الرمح طوال القامة بها رقصة الحرب تحية للزائر المصرى، والذى لم يكتفي بالمشاهدة، بل تجرد من ملابسه ليرقص معهم بملابسه الداخلية ويقلد حركاتهم في القفز.
ووصفت المجلة الأمريكية ما فعله سالم قائلة : على المستوى الرياضى كان يمكن أن يقدم سالم أداءً أفضل، لكن دبلوماسيًا مثل هذا نجاحًا كبيرًا مع القبليين السعداء، ووصل تأثيرها إلى إنجلترا البعيدة ، لتتحدث LIFE، عن كاريكاتيرًا نشر فى صحيفة London Daily Express البريطانية، عقب زيارة الضابط المصري، ظهر فيه وزير الخارجية البريطانى، أنطوني إيدن، وهو يقف أمام فريق عمله، قائلًا، وبجوارهم صورة سالم وهو يرقص مع السودانيين: «إنه الوقت يا سادة الذي علينا فيه أن نستبدل طرقنا الدبلوماسية العادية بتلك التي تأتي بنتيجة، فى إشارة إلى ما فعله المبعوث المصري.
واختتمت المجلة الأمريكية LIFE تقريرها عن زيارة سالم للسودان قائلة : الدبلوماسيون البريطانيون، الذي يطاردهم الفشل بالفعل، تم السخرية منهم فى جريدة بريطانية، والتى أشارت إلى أن بإمكانهم التعلم من أسلوب سالم الجديد للرقص الدبلوماسى.