قبيل ساعات من انطلاق القمة العربية التي تنعقد بالمملكة العربية السعودية اليوم، اختارت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا أن توجه صواريخها إلى قلب دمشق، في رسالة واضحة لا تخلو من مغزى ومعنى، لتعيد إحياء مشاهد حزينة إلى الذاكرة العربية، بداية من العدوان الثلاثي ١٩٥٦، وغزو العراق ٢٠٠٣، وترفع مستوى التحدي والتمزق العربي، خاصة في ظل موافقة مجموعة من الدول الخليجية، وبينها السعودية – مستضيفة القمة- على توجيه الضربة الغربية إلى سوريا.
المأزق الحقيقي الذي يواجهه القادة العرب لدى اجتماعهم اليوم، لا يتمثل فقط في الملف السوري، رغم قسوته وتعقيده، وإنما هو تشتتهم، وتباين مصالحهم في معظم تحديات المنطقة، فجانب من الدول العربية تتخذ موقفا عدائيا من النظام السوري، وتساند قوى المعارضة، حتى ولو كان بين تلك القوى تنظيمات متطرفة وإرهابية.
بينما تقف دول أخرى موقفا صعبا، يخشى من السقوط السوري المدوي، الذي لن يخدم سوى قوى التطرف، ويعمق المأساة الإنسانية التي تشهدها المنطقة،لكنه في الوقت ذاته يرفض التورط في دعم نظام بشار الأسد، وبين هذه المجموعة تقف مصر، التي تلتزم منذ الإطاحة بحكم “الإخوان” بمجموعة من الثوابت الأساسية، التي تحاول منذ أربع سنوات أن تكرسها، بل وتسعى لإقناع صناع القرار العرب والدوليين بها، وتلك الثوابت تنطلق من قناعة راسخة بضرورة الحفاظ على وحدة الاراضى السورية ، والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية.
كما يتبنى الموقف المصري توجها ثابتا يعتمد على تعزيز الحل السلمى عن طريق التفاوض بين كافة الاطراف، ولذلك استضافت مصر مجموعة من جولات الحوار بين قوى المعارضة، كما سعت إلى توحيد مواقف قوى المعارضة غير الإخوانية، في محاولة لتقريب وجهات النظر مع النظام السوري، وبما يقرب سوريا من أفق الحل، بديلا من الاستمرار في الإنزلاق نحو هاوية السقوط.
وعبرت السياسة الخارجية المصرية عن الرفض الواضح لأن تكون سوريا هى مركز لتصفية صراعات القوى الدولية، خاصة أن القاهرة تعي جيدا أن الحلول العسكرية لن تقدم الحل النهائى.
هذه الرؤية العقلانية للأزمة السورية، يبدو أنها لا تتوافق كثيرا مع رؤى دول عربية أخرى، وبينها دول حليفة لمصر، ترى أن أي بقاء للنظام السوري انتصار لإيران، وهو ما لا تقبله دول مثل السعودية والإمارات والبحرين، شركاء مصر الأقوياء في الرباعي العربي.
وحتى في ملفات تبدو أقل صخبا من المأزق السوري، ومنها على سبيل المثال ملف مكافحة الإرهاب، الذي توليه مصر أولوية قصوى، تتبنى عدة دول عربية بينها قطر والسودان على سبيل المثال موقفا مغايرا للرؤية المصرية، بل وتتزايد الاتهامات لقطر بتوفير البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية، وتقديم الدعم المالي واللوجيستي والإعلامي لبعض تلك التنظيمات.
في المقابل لا تتحمس دول أخرى لاتخاذ مواقف صارمة ضد الإرهاب، وتبدو أقرب إلى موقف المتفرج أكثر من اتخاذها مواقف واضحة وصارمة ضد التنظيمات المتطرفة، رغم تنامي تلك التنظيمات واستمرار وقوف دول وأنظمة وأجهزة خلفها، ودعمها في المنطقة واستغلالها لأغراض سياسية أبعد ما تكون عن المصالح العربية .
ولا تقتصرالأزمات المطروحة على طاولة القمة العربية على سوريا والإرهاب، بل ستمتد إلى كثير من جروح الجسد العربي في اليمن وليبيا وفلسطين، وكلها تحديات تثبت أن اليد العربية باتت مغلولة في صياغة مصير المنطقة، بعدما صارت المنطقة كرقعة شطرنج تتحرك قطعها بأياد من خارج المنطقة، وتتنافس مشروعات إقليمية تركية وإيرانية وإسرائيلية في السيطرة على مستقبل المنطقة، وتتقاطع خيوطها وتتشابك، لتصنع كفنا لمشروع عربي وحدوي كان يوما حلما للملايين من المحيط إلى الخليج.