هناك عدة مناهج علمية لقياس مدى نجاح أو فشل الخطط الاقتصادية منها المنهج المقارن الذي يقارن بين تجارب الدول، حال تجانسها وسهولة ومعقولية المقارنة بينها، وهناك المنهج التاريخي، عبر مقارنة التطور خلال فترة من الزمان، وهناك المنهج الجغرافي وغيرها من مناهج البحث.
ورغم معقولية كل هذه المناهج، إلا أن في الحالة المصرية التي تتسم بصعوبة الوصول إلى المعلومات، وتعدد خطابات الحكومة، فإن اللجوء لتقييم الخطط وفقا لمستهدفاتها هو أضعف الإيمان، ولكنه يبقى درجة من درجات الإيمان.
الحكومة تسعى لأن تجعل من مصر مركزا إقليميا لتداول الغاز، وأن يضمن التنوع في مصادر الطاقة استدامة توفر احتياجات مصر من الوقود، وبالتالي دفع معدلات النمو لأعلى.
في دولة أخرى أو في وقت أخر كنا سنتسأل عن تكلفة هذا المخطط، وتكلفة الفرص البديلة له، وعن مدى احتياجنا له من الأساس، مع وجوب دراسة التكلفة والعائد السياسي من تمدد السيطرة المصرية على حقول الغاز في شرق البحر المتوسط.
الأمر الجيد هو أن مستهدفات الحكومة، في معظمها، منطقية ومقبولة وفقا للظروف المحيطة، ما يعني أن أي فشل في تحقيقها يرجع بشكل أساسي لفشل الحكومة في التنفيذ أو في التوقع، وهناك نموذجان واضحان لهذه التوقعات، أولهما النجاح في الوصول باحتياطي النقد الأجنبي لمستويات غير مسبوقة، وثانيهما الفشل في تحقيق “فائض أولي” في موازنة الحكومة، وكلاهما كانا تعهد حكومي، وتحقيقهما أو الفشل في تنفيذهما يعتبر مؤشر جيد لتقييم أداء الجهة المختصة أو الحكومة ككل.
مصر تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي مطلع 2019، واستثمرت بشكل كبير في قطاع الطاقة في الثلاث سنوات الماضية، ما أدى إلى ما نشهده حاليا، من توفر قدرات طاقية تفوق حاجات المستهلكين والمنتجين.
وقد قامت مصر بتعديل تشريعي يسمح باستيراد القطاع الخاص للغاز الطبيعي، لضمان تدفق الغاز الطبيعي للداخل المصري وقت الأزمات، وضمان تشغيل محطات الإسالة التي ستقوم بإعادة تصدير الغاز للخارج، وبالتالي تصبح مصر قائدة الإقليم في إنتاج الغاز الطبيعي.
هذه الخطوات الجادة ربما تواجه بعض الأزمات في المستقبل، منها على سبيل المثال محاولة تركيا زيادة نفوذها في البحر المتوسط، أو أزمات إنتاج الغاز في المنطقة، أو اضطراب منظومة العرض والطلب على الطاقة داخليا وخارجيا.
الحكومة في هذه اللحظة تشتري الغاز الطبيعي من حقل ظهر من شركة ايني الإيطالية بـ٥.٨٨ دولار للمليون وحدة حرارية، وهو سعر مقارب لأسعار الغاز المستورد من الحقول الإسرائيلية، وهذا يظهر أن الحكومة تغلب عامل “استدامة التدفق” على عامل “التسعير الجيد” في مجال الغاز، لهذا لا جدوى من الحديث عن تقييم الحكومة في ملف التسعير، لأنهم يرونه أقل أهمية، ناهيك عن التقييم السياسي للتقارب الكبير مع إسرائيل، لذا علينا أن نهتم بتقييم الحكومة وفقا لخططها في الفترة القادمة، حتى يتم خلق أرضية مشتركة للحوار.