روشتة محددة يطرحها صندوق النقد الدولي على كافة الدول، وعلى المريض المتضرر ضبط أوضاعه حتى يمكنه الاستفادة من الروشتة، ولهذا ينجح الصندوق في إنقاذ بعض الدول من عثراتها المالية ويفشل مع البعض الآخر.
أمس الأول قال ديفيد ليبتون، نائب رئيس صندوق النقد الدولي، إن مصر تحتاج لتبنى سياسات تعزز القطاع الخاص وتشجع خلق الوظائف لكى تدعم المكاسب التي حققتها من المجهودات الكاسحة لإحياء الاقتصاد.
وأضاف أن الحكومة لن تتحمل عواقب تأجيل التحرك باتجاه خفض دعم الطاقة المكلف وإلا ستخاطر بزيادة الضغوط على الموازنة في وقت ترتفع فيه أسعار البترول العالمية، والأهم من كل شيء أن مصر لا يمكن أن تتوانى في خلق الوظائف، مشيرا إلى أنه بحلول 2028، سوف يرتفع عدد السكان في سن العمل بنسبة 20%، ما سيجعل القوة العاملة عند 80 مليون عامل، وأوضح أن خلق وظائف لكل هؤلاء هو التحدي الاقتصادي الأكبر لمصر.
وأوضح ليبتون أن أفضل طريقة للقيام بذلك هي تقليل البصمة الثقيلة للقطاع العام في الاقتصاد، خاصة في قطاع الأعمال والتجارة لإفساح المجال لنمو القطاع الخاص، ولعتق ريادة الأعمال من المنافسة الخاسرة مع القطاع العام.
وذكر ليبتون أن النمو قد يرتفع إلى ما بين 6% و8% إذا استغلت الدولة إمكانات الشباب وخفضت معدل البطالة ورفعت معدلات مشاركة العمالة إلى مستويات الأسواق الناشئة العديدة الأخرى، موضحا ان ذلك سيعد تحولا، وسيعنى تحسن مستويات المعيشة لفئات واسعة من الشعب.
وللصندوق كل الحق في ذلك، فدول أوبك تسعى إلى الوصول بأسعار البترول إلى 80 دولارًا للبرميل، قبل نهاية العام الجاري، من خلال استمرار سياسة خفض الإنتاج، وهذا يضر بشدة بالصناعات الكبيرة في مصر، التي تتركز في القطاعات شديدة الاستهلاك للطاقة، وبالتالي ستقل فرص نمو هذه الصناعات.
كما أن “الغزلان”، وهو لقب يطلقه البنك الدولي على الشركات صغيرة الحجم سريعة النمو، التي تستطيع مضاعفة عدد العمال لديها في وقت قصير، ضعيفة النشاط في مصر، وكانت مصر دائما ضمن الدول الأدنى عالميا في إتاحة الفرصة لـ”الغزلان”، ما قوض لفترة طويلة فرص نمو كبيرة للاقتصاد.
وفي عام 2014 قال البنك الدولي إن مصر وسوريا والعراق هي الأقل في نسبة الشركات الجديدة إلى إجمالي السكان، مقارنة بباقي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث ذكر البنك أن لكل 1000 شخص في سن العمل، هناك أقل من نصف شركة ذات مسئولية محدودة مُسجلة حديثا فى الثلاث دول، مؤكدا أن دول المنطقة عموما تشهد أقل المعدلات العالمية فيما يخص تأسيس الشركات الصغيرة.
هذا الأمر تغير كثيرًا مع خطوات الإصلاح الاقتصادي العنيفة، التي صبت في صالح الاستثمار صغير الحجم، كما أن البنك المركزي وفر تمويلًا مدعومًا لهذه الأحجام من الشركات، ولكن المفاجأة أن صندوق النقد يرفض التسعير المتغير للفائدة، باعتباره تشوهًا للاقتصاد.
وتتيح مبادرة البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمويلات بفائدة مدعمة تبلغ 5% و%7، ولكن المركزي قام، تحت ضغوط من صندوق النقد الدولي، بإلغاء دعم الفائدة على تمويل رأس المال العامل للشركات المتوسطة، كما تكثر الشائعات حول إلغاء الفائدة المنخفضة على التمويل العقاري أيضًا، ما يعطل نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة.
فإذا كانت الحكومة جادة في تحقيق مستهدفات صندوق النقد في تحقيق معدلات نمو مرتفعة اعتمادًا على نمو الغزلان فعليها ألا تعرقلهم بروشتة الصندوق الكفيفة عن الأوضاع المحلية.