ماذا لو اكتشفنا فجأه بعد كل تلك الملايين من السنين أننا كنا فاهمين غلط، و أن الأصل فى تلك الحياه هو النوم الذى يقطعه الإستيقاظ،، و ليس كما كنا نظن، الإستيقاظ الذى يقطعه النوم؟!
ماذا لو أننا أصلاً نايمين، و فترات الإستيقاظ هي ما يمكننا أن نطلق عليها فترات الحلم الربانى المشترك، حيث يتواصل حلم طويل و ممتد نتشارك جميعاً فيه بالفعل والمشاهدة بينما تقطعه فواصل من العودة إلى طبيعتنا و أصلنا حيث ننام و نحلم أحلامنا الفردية الخاصة، ماذا لو طلع ما نظنه الصحيان هو النوم بينما ما نظنه النوم هو الصحيان؟!
ألا تبدأ حياتنا بتلك النومة الطويلة في بطون أمهاتنا لمدة تسعة أشهر نتكون ونتشكل ونتبلور خلالهم؟! ألا تنتهي حياتنا بتلك النومة الطويلة و غير المحددة بمدة معينة؟! ألا تتخلل تلك الفترة التي نحياها بين هاتين النومتين – تلك الفترة التي اتفقنا على تسميتها حياه – فترات نوم أخرى إضافية؟!
إذن النوم هو بطل حكايتنا و ليس الصحيان كما نتصور!
الدائم و الراسخ و الأزلى هو النوم، بدليل أن أحداً لم يستيقظ قبل ذلك و هو في بطن السيدة والدته ليطلب منها الذهاب إلى الحمام مثلاً، كما أن أحداً أيضاً لم يستيقظ قبل ذلك من موته ليشرب بؤ ميه ثم يكمل بعدها موت، الإستيقاظ مجرد كومبارس
وضيف خفيف، لا يختلف دوره كثيراً عن دور أحمد زكي الصغير في مسرحية “هاللو شلبي” أثناء تمثيله لمشهد من فيلم القاتل الندل، حيث يظهر على خشبة المسرح يا دوبك ليموت على طول، الإستيقاظ خدعة ما أن نبدأ في الإعتياد عليها حتى يتحول إلى رغبة في النوم، و هنا يبرز التساؤل الهام، و احنا ليه أصلاً بننام؟!
سألت مجلة ناشيونال جيوجرافيك هذا السؤال لدكتور “وليام ديمنيت” العميد المتقاعد لقسم بحوث النوم بجامعة ستانفورد بعد أن أنفق من عمره 50 عاماً فى البحث حول السبب الذى يدفعنا إلى النوم، وكان رده: “السبب الوحيد الرصين حقاً في حاجتنا للنوم هو أننا نشعر بالرغبة في النوم”.
فنحن بالفعل نعرف بعض الوظائف التى تقوم بها الدماغ أثناء عملية النوم، حيث ترى دراسات أن تعزيز الذاكرة و ترتيب الفايلات في مكتبة المخ الضخمة من أهم وظائف النوم بينما ترى دراسات أخرى أن الوظيفة الرئيسية للنوم هي تدليت كل المعلومات غير الهامة التي دخلت المخ على مدار اليوم لصالح التركيز على تذكر الأشياء الهامة فقط، إلا أن كل تلك الوظائف ليست لها علاقة بالسبب الرئيسي الذي لا نعلمه و الذي يجعلنا غير قادرين على مواصلة الحياه بدون نوم.
إنه اللغز الذي لم تستطع البشرية فك طلاسمه حتى الآن، لينضم إلى رفاقه من الطلاسم الكثيرة غير المسموح لنا بفهمها منعاً لإفساد التجربة البشرية و للإرتقاء بمستوى الدراما فيها والإبقاء على عنصر المفاجأة.
طلاسم من عينة، الحياه، الموت، الميلاد، القدر، المصير، الزمن، الكون، فنحن لم نكتشف بعد شيئاً من الأساسيات التي تتمحور حولها حياتنا بجد، بداياتها و نهاياتها وتفاصيلها، و كل ما اكتشفناه حتى الآن لا يعدو أن يكون مجرد وسائل للتعامل مع تلك الحياه، التعامل معها فقط و ليس فهمها أو فهم ما الذي ينبغي علينا فعله فيها بالضبط.
قد تكون حقيقة مثل أننا نضيع ثلث عمرنا تقريباً في النوم -بدون أن نعرف على وجه الدقة ليه- حقيقة مفزعة، إلا أنها قد تصبح أقل إفزاعاً بعد أن نتذكر تلك الحقيقة الأخرى الأكثر إفزاعاً والتي تتمثل في أننا نضيع الثلثين الباقيين في الحياه، وبرضه من غير ما نعرف على وجه التحديد.. ليه!