ذلك السؤال الذي يطرح نفسه جبرًا في القرن الحادي والعشرين داخل حدود الوطن العربي بصفة خاصة حيث تتكاثر رموز الجهل والتخلف وتترك خلفها نسل من المرضى العقليين، المؤمنين بالشيء ونقيضه، الحاملون سيفًا على الرأي المخالف، الشارعون في كسر الأقلام وإقصاء العقول.
ذلك السؤال الذي اجاب عليه “سقراط” بخط “أفلاطون” في كتاب الأخير “جمهورية افلاطون” فوضع إجابة قريبة من الصواب ناشدًا أن يصل له، حيث رأى بأن كل الناس ليسوا متساوين في القدرات وليسوا على نفس القدر من العلم والمعرفة والإدراك وبالتالي يجب ألا يتساووا في الحقوق السياسية (المصيرية) كـ”اختيار الحكام”.
في ذلك الوقت وعلى مدار أكثر من “21 قرن” اتُـهم “سُقراط” وتلميذه النجيب “افلاطون” بالانتقائية وعدم المساواة وكان التاريخ ذاكرًا وشاهدًا على ذلك وعلى الرغم من أنه ربما لم يتوقع أن هناك أمة ستأتي بعده بقرون عديدة في المستقبل ستعيش في عصور ما قبل العقل بل هي عصور الجهل والنقل.
كان يرى أن الحكم والإدارة هم أشياء مصيرية فقد يصل للحكم جاهل فيعمينا، وقد يصل إلى الحكم أحمق فيمحينا، ولذلك كانت له تقسيمة خاصة لمن يصلحوا لمنصب “الحـــاكم” أولائك المفكرون الفلاسفة أو من يحاولون أن يكونوا كذلك.
وعلي الرغم من أني قد اختلف معه في بعض تقييماته أو تقسيماته إلا أني أرى بأن ذلك التساؤل الناشئ داخل عقلي محط ملاحظة وتفنيد ودراسة، فمثلاً هو يرى أن يتخطى (المشرعون والقضاه والتنفيذيون) سن الخمسين أو كما وصفه بـسن النضوج وألوم عليه بأن كيفية وليست كمية أي لا تحسب بالأرقام فقط.
“الديمقراطية الحديثة” في الأصل تعني وصول المؤهلين للحكم عن طريق توصيات المؤهليين لإعطاء الرأي ولكننا انحرفنا عن تقييم هذا التأهيل فوضعناه رقمًا (سن 18 سنة) وهذا الاختلال في المعيار أعطى الحق لمن قد يكون لا يستحق.
اختلال المستوي المعرفي والثقافي والفكري بين طبقات المواطنين يخلق صورة حقيقية تشير إلى أنه ليس كل من تخطي “سن إعطاء الرأي” مؤهل للحكم في القرارات المصيرية.
المعيار الحقيقي الوحيد “لإبداء الرأي” هو الثقافة والعلم والتفكير وحتي لا يكون كلامًا في الهواء فإن افتقد الشخص الثقافة وانحرف عن طريق العِلم تحكمت فيه نزعة العاطفة والأهواء التي لا دليل على صحتها.
نوصل إزاي لتحقيق النظام الديمقراطي الحديث ؟
بطريقة بسيطة جدًا، هو كسر كل أبواق الجهل والتخلف، منع ظهور تلك الأصوات التي تزرع الرأي على أنه حقيقة وتجعل الحقيقة وهم في عقول المواطنيين فتضللهم، إظهار الحقائق العلمية والتاريخية للعامة فتكسر فيهم حالة توهم العلم والصواب المطلق، بناء جيل يملك القدرة على صياغة أفكاره بناءًا على معطيات العِلم ومبادي الثقافة، خلق مناخ ثقافي متكامل يُتاح فيه الرأي ويُباح فيه النقد ليكون للعقل موقعه على عرش هذه الحضارة الإنسانية.
ربما كان عنوان المقالة ليس سؤالاً كما توهمنا ولكنه كان استنكار وسيظل هذا الاستنكار حائرًا ودائرًا في عقولنا حتى يجد من يسمعه .