في ذكرى مرور قرن كامل على انتهاء الحرب العالمية الأولى، التي دارت رَحاها في ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، يرصد لنا «يفغيني ساتانوفسكي»، رئيس معهد الشرق الأوسط في موسكو، اهتمامَ الصحافة الروسية بالتطورات التي حدثت للدول المشاركة في هذه الحرب، ومصادر الخطر التي من الممكن أن تهدد روسيا في المستقبل، والرد المتوقع من موسكو.
صراع الأنظمة الملكية
المواجهات العربية بين السعودية وقطر في ليبيا ومصر وسوريا ولبنان واليمن والعراق، بالإضافة إلى خلافات قطر مع السعودية والإمارات والبحرين، التي أدت إلى أن هذه الدول قامت بسحب سفرائها من الدوحة يوم 5 مارس الماضي، بعد الإنذار الذي وجه لقطر بالتوقف عن دعم “الإخوان”، وعلى الرغم من تهديد قطر بطردها من مجلس التعاون الخليجي ، إلا أنها لم تنصع، نتيجة لهذا كثّفت الرياض من جهودها في الاتصال برئيس وزراء قطر السابق حمد بن جاسم عن طريق الأمير متعب، المرشح الأقوى لولاية العرش السعودي، ولهذا لا يستبعد بعض الخبراء حدوث محاولة انقلاب في الدوحة في المستقبل القريب، كما أن ضرورة مواجهة مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق والذي يعمل ضد المملكة السعودية على أرض السُّنة في العراق، والتي فرضت على السعودية، قد جعلت تطور المواجهة مع إيران أكثر بطئا. غير أن تطابق مصالح الرياض وطهران في تقليص تأثير تنظيم “الدولة الإسلامية” ظاهرة مؤقتة، فالنزاع بينهما دائم، كما هو الحال بين روسيا من ناحية، والعربية السعودية وقطر من ناحية أخرى؛ بسبب دعم الأخيرتين للإسلاميين الذين يحاربون فوق الأراضي الروسية وأراضي دول وسط آسيا وسوريا.
وتَوَافُق المصالح الروسية مع السعودية في العراق ومصر لا يعني أن روسيا ستشارك في التحالف المصري- السعودي الذي تكون يوم 20 يونيو بين الرئيس السيسي والملك عبد الله، حيث ستصل الاستثمارات السعودية في مصر إلى 20 مليار دولار، أما فيما يتعلق بقطر فإنه لم يحدث تطابق تام لمصالح روسية مع المصالح القطرية على الإطلاق.
دول الخليج موحدة في مجلس التعاون الخليجي، وهي لم تتخل عن خطط التكامل فيما بينها، لكن في نفس الوقت تحل مشاكلها الأمنية كل على انفراد، العربية السعودية تقوم بتأمين بقاء الأسرة الحاكمة في البحرين، وتقوم بالتعاون مع الإمارات بمواجهة قطر، ولهما نزاع مع إيران. الكويت وعمان مضطرتان للتوازن في هذا البحر المتلاطم بين الجيران العرب وإيران.
وعلى الرغم من أن العلاقات مع الغرب هي الغالبة، سواء في المجال العسكري أو الاقتصادي، إلا أن العلاقات بين روسيا وكل من الإمارات والكويت والبحرين وعمان مبنية على أسس براجماتية.
الجبهة الإسرائيلية
وضع جديد نشأ في إسرائيل، حيث وجدت نفسها أثناء الحرب على حماس في معسكر واحد مع مصر والسعودية والإمارات وضد قطر وإيران وتركيا.
كما أن منع الرئيس أوباما تصدير معدات عسكرية لإسرائيل تشمل صواريخ للمروحيات وذخيرة للدبابات ووقودا للطائرات دون موافقة شخصية منه، وضع التعاون العسكري الإسرائيلي مع الولايات المتحدة على المحك، مما سيتطلب إعادة النظر في العلاقات بين البلدين.
إسرائيل في حاجة إلى مصادر بديلة للسلاح، خاصة أن الحرب في غزة لم تنته بعد، فحماس ما زالت تحتفظ بكميات من الصواريخ والبنية الأساسية والكوادر، وفي المستقبل القريب احتمالات نشوب حرب جديدة وارد جدا، ومن غير المستبعد أن تكون هذه الحرب على جبهتين إذا هاجم حزب الله إسرائيل من الشمال. لأي درجة يستطيع المجمع العسكري الصناعي الروسي استغلال هذا الموقف، التنبؤ صعب؛ لأن روسيا حينها ستتعرض لضغوط ستمارس عليها من إيران والدول العربية الحليفة لروسيا، وغير مستبعدة بالطبع ضغوط من جانب الولايات المتحدة على إسرائيل، مما سيفوت هذه الفرصة على روسيا وإسرائيل.
لكن الذي لا شك فيه أن ثقة إسرائيل في الولايات المتحدة وقطر وتركيا الذين يحاولون الإبقاء على نظام حماس في غزة، قد تزعزعت لفترة طويلة قادمة، وبالتالي توسيع التعاون الروسي- الإسرائيلي في المجال الأمني، ممكن جدا.
بؤر الاستقرار
تعتبر مصر مع الجزائر والمغرب بؤر استقرار نسبي في شمال أفريقيا. بعد الإطاحة بنظام “الإخوان المسلمين”، والعمليات العسكرية في غزة، سهل على مصر حربها مع الإرهابيين في سيناء، وفي المناطق الداخلية للبلاد. فالعناصر الأكثر نشاطا كانت لها جذور فلسطينية وتمركزت في مصر وكانت قادمة من غزة، كما أن تدمير 1659 نفقا بطول الحدود المصرية مع غزة والبالغ طولها 13 كيلو مترا يدل على رغبة السيسي القوية في عدم توسع حماس في بلاده، حيث لم تغض حكومة الرئيس السابق مرسي الطرف فقط عن أنشطة حماس، بل قامت بإمدادها بكل ما تحتاجه من مواد وتقنية ومهندسين بدلا عن نظرائهم الإيرانيين الذين سحبتهم إيران بعد دعم حركة حماس للمقاتلين الممولين من السعودية وقطر والمناهضين لنظام الأسد في سوريا.
وتحالفت مصر مع السعودية، وتم تنشيط التعاون العسكري مع روسيا، والتعاون الوثيق السري مع إسرائيل، فيما تشهد العلاقات مع واشنطن وقطر وتركيا برودا ملحوظا، مع حياد للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يوجد فيه تهديد لمصادر المياه المصرية يجعل الأزمة المائية على رأس جدول أعمال القيادة المصرية، ولذلك فإن تسليح القوات المسلحة المصرية من الأولويات، خاصة بقوات جوية، تهدف لاستعراض للقوة قبل عقد جولة جديدة من المفاوضات مع إثيوبيا التي تبنى سدا على النيل الأزرق. القضية هنا ليست تهديدا عسكريا مباشرا، رغم أن هذا غير مستبعد بحلول عام 2017 مع انتهاء بناء السد، بقدر ما هي عملية “استعراض عضلات”، يشير إلى احتمالية استخدام حقيقي للقوة.
خففت الإطاحة بمرسى في مصر الضغط على المغرب، قبل الإطاحة به كانت القوات المسلحة الجزائرية تبحث إمكانية التدخل في ليبيا. الجزائر الآن في وضع أكثر خطورة من المغرب، إذا أخذنا في الاعتبار القلاقل في مناطق البربر، والتوتر مع الإسلاميين في الجنوب، وانقسام النخبة بعد إعادة انتخاب عبد العزيز بوتفليقة لفترة رئاسية جديدة، غير أن القيادة الجزائرية واثقة من أنها غير مهددة بأن يطالها “الربيع العربي”.
فرغم الخلافات العميقة بين الجزائر والمغرب، إلا أنهما متفقات على ضرورة التخلص من الإسلاميين الموجودين على حدودهما الجنوبية. المشكلة في أن دول الساحل والصحراء بدون مساعدة عسكرية لا تستطيع القيام بمحاربة المجموعات الإرهابية، بالإضافة إلى أن جيوش مالي والنيجر وتشاد أضعف كثيرا من الإسلاميين، الذين يهاجمون قوات مسلحة قوية مثل الجيش النيجيري. فهم يمتلكون معدات عسكرية حديثة من مخازن جيش القذافي، ويحصلون على الأموال من الجهاديين في المناطق الأخرى (فقد حول تنظيم الدولة الإسلامية نصف ما استولى عليه في بنك الرقة إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي)، بالإضافة إلى تحويلات مالية غير محدودة من دول المشرق العربي.
أما موريتانيا فهي بالنسبة للمجموعات الإرهابية محط اهتمام كممر فقط إلى الشمال.
حرب الجميع ضد الجميع
العراق وسوريا فعليا تم تقسيمهما، بغداد ودمشق تسيطران على جزء فقط من أراضيهما، والباقي تحت سيطرة الأكراد في البلدين، والشيعة في العراق، والدروز في سوريا، ومقاتلو المجموعات الإسلامية وحلفاؤهم من القبائل السنية في سوريا والعراق، ولا ننسى البعثيين العراقيين المنضوين تحت لواء “الدولة الإسلامية”.
الدعم الإيراني والروسي بالمعدات العسكرية يعطي هاتين الدولتين فرصة، لكن الوضع في العراق معقد وغير واضح على أي شيء سينتهي، فـ”الدولة الإسلامية” تدعم مواقعها بالاستيلاء على مدن في شمال العراق، وهي تسيطر على الموصل ونصف نهر الفرات.
هذا في الوقت الذي بدأت فيه القبائل السنية بوساطة سعودية ـ أمريكية مفاوضات مع رئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي، ما قد يؤدي إلى انقسام في “الدولة الإسلامية”.
أما مستقبل لبنان فيعتمد على سير الحرب الأهلية في سوريا، والصراع بين السعودية وإيران، ولأي درجة يستطيع حزب الله تجنب الصدام مع إسرائيل.
المواجهة الحادة بين قطر والسعودية تجري على الأراضي الليبية، التي لم تعد دولة موحدة، وباعتراف الغرب. في هذا الصراع تشتري الدوحة تابعين سلفيين كانوا تابعين للسعودية مثل عبد الحكيم بالحاج، أحد قادة القاعدة السابقين. في نفس الوقت الذي تقوم فيه بقايا جيش القذافي بالحرب ضد الإسلاميين تحت قيادة خليفة حفتر.
أما الشرطة المحلية ومسلحو القبائل فهم يحاربون من أجل السيطرة على المطار وموانئ تصدير النفط وخطوط الأنابيب وصناعة النفط، والبلاد تسودها الفوضى.
في تونس الأوضاع هادئة نسبيا، حيث يدور الصراع هناك بين الإسلاميين الذين فقدوا احتكارهم للسلطة، وبالتحديد بين حركة النهضة والسلفيين، بالإضافة للصراع بينهما من ناحية وبين المجموعات العلمانية الكثيرة من ناحية أخرى.
وفي اليمن تعقّد الأمر؛ نتيجة المنافسة بين السعودية وقطر هناك، ثم دخول إيران على الخط بدعمها للحوثيين، وانفصال الجنوبيين المحرومين ليس فقط من مناصب الدولة العليا، بل من تقسيم عائدات النفط (مثل السنة العراقيين)، تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية قوي في اليمن (أصول بن لادن من حضرموت). وللاجئين الصوماليين البالغ عددهم 2 مليون صومالي تأثير على الأوضاع هناك، بصفة عامة البلاد على وشك التقسيم لكن على أساس قبلي.
أنهي عرض الأوضاع في الشرقين الأوسط والأدنى بالسودان، وهنا نؤكد أن انفصال جنوب السودان عام 2011 لم يؤد إلى استقرار الأوضاع، فالجنوب مشتعل بحرب قبلية، وسلطة سيلفا كير محل تشكيك من منافسيه. وفي شمال السودان الحركات المعارضة في كردفان ودارفور وولايات أخرى تتسع، ولا يستطيع جيش عمر البشير سحقها. إنها ببساطة حرب تقليدية “الجميع ضد الجميع”، مع سيطرة صينية على اقتصاد السودان.