في انتخابات البرلمان عام 2000.. رشح التيار الناصري في شبين القناطر أستاذ جامعي، توسم فيه الجميع وقتها الاحترام، وسعى كافة الناصريين في المركز إلى دعمه، سواء بالمال أو بالجهد والتعب. ورفضنا وقتها دعم أحد المقربين من العائلة وهو الأستاذ محمد سالم، الذي كان مرشحاً للحزب الوطني على مقعد العمال.. وبالطبع فاز مرشحو الحزب الحاكم. وبعدها بـ3 سنوات رحل سالم، وقتها رآني أحد أعز أصدقائي أبكي الرجل، فتفاجأ وسألني “تبكي قياديا في الحزب الوطني” فكان ردي “بل أبكي جاري وصديق والدي بغض النظر عن توجهه السياسي”.
هذه هي الأخلاق التي تربينا عليها في بلدنا “شبين القناطر”، إحدى مراكز محافظة القليوبية، التي تتبعها 36 قرية وأكثر من 40 عزبة ونجع، اختلفنا مع الرجل سياسياً نعم، ولكننا كنا نحترم جارنا كبير السن الذي مات ولم يترك سوى دعوات الناس له، هذا هو ما نسميه “أخلاق القرية”، وهي نفسها الأخلاق التي تمنع أي شخص يريد ترشيح نفسه لمنصب تشريعي أو محلي من دخول قرية أم عزبة دون استئذان كبرائها ومشايخها والمرور على عائلاتها، خصوصاً لو كان مرشحاً لانتخابات البرلمان، التي للعمد والمشايخ فيها دور لا يرقى إليه الشك، حتى وإن كانوا من أعضاء الحزب الحاكم في الماضي.
هذه الأخلاق هي ما اتبعه محمود بدر، عضو لجنة الخمسين والمرشح لعضوية مجلس الشعب في مدينة شبين القناطر، فنال لوماً من البعض، ونال احترام آخرين. محمود اتبع ما تعلمناه من خلق وتقاليد، فنزل قرى وعرج على كبارها أولاً قبل أن يتحدث مع العائلات أو يجلس مع أفراد، قدم احترامه لأبناء النجوع والعزب، فأثار بذلك ضغينة بعض منافسيه ممن عجزوا عن مجاراته، أو تعالوا على هؤلاء المهمشين الذين حرموا من الحياة الكريمة واحترام الكبار لسنوات طويلة.
أختلف مع محمود بدر – ابن خالي- بشأن دعم مرشح الرئاسة، ولكني لا أختلف مع خطواته الذكية في خوض انتخابات البرلمان والإعداد لها، رغم ما سيعرضني له هذا الرأي من انتقادات البعض، دعونا إذن ننحي التقاليد جانباً ونتناول الأمر من منظور سياسي وانتخابي.. كيف يمكن لمرشح أن يقود حملة انتخابية ويتجاهل كبار ورؤوس قرى تملك كتل وقوى تصويتية؟ وكيف يمكن لمرشح أن يخوض انتخابات يتعالى فيها على من بإمكانهم جلب المنفعة له، إذا كانت الحسبة برجماتية؟
اتهامات كثيرة توجه إلى محمود بدر أجد نفسي أحياناً عازفاً عن الرد عليها لتفاهتها، وأحيان أخرى أجد في نفسي رغبة في الرد بقوة، أخشى معها أن أجرح البعض، خصوصاً أن البعض يلقونه باتهامات يعرفون ردودها، فأكثر من يسألونه “من أين لك هذا” هم أيضا أكثر من يعرفون أنه متيسر الحال منذ طفولته، بل إن والده نفسه متيسر الحال منذ طفولته، ومن يدعون أنه مدعوم من قيادي سابق بالحزب الوطني يعرفون أن هذا القيادي يريد منافسة محمود على مقعد البرلمان، لولا شعبية محمود في مسقط رأسه ورفض قيادات القوى السياسية عرقلة ترشحه باعتباره رمزاً للثورة.
محمود يخوض تجربة شبابية، ولكنها بشرية، تحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، قد يتفق الكثيرين مع رؤيته، وقد يختلف معها البعض، ولكنه في النهاية يتبنى رؤية لم تأت من فراغ، بل نابعة من ميول جماهيرية، حتى إذا اختلف معها بعض الساسة. محمود يميل إلى مبدأ: الشعب عايز إيه؟ فهل تبنيتم أنتم نفس المبدأ؟