– لماذا يرى كل منا في أهله وذويه الفزاعة التي يجب عليه بل وينبغي أن يخاف منها ويتوسل إليها كل لحظة وكل وقت ؟!
– لماذا دائماً ما نتصور ونراهم يشكلون عائق كبير لا نستطيع أن تجاوزه فيترتب على ذلك دائماً بتر وهدم لكل الأحلام والأماني الخاصة بالدراسة والوظيفة والموهبة والمشاريع الخاصة والصداقة بكل أشكالها بل والأصعب دائماً ما يكون في العلاقات الإنسانية: الحب والزواج خاصة الزواج من الفتاة التي لطالما حلمنا بالزواج منها والارتباط بها ؟!
الفزاعة نحن من اخترعها
الأهل بطبيعة الحال – وفي رأيي الشخصي- أقل إدراكاً منا لسرعة الحياة ومتطلباتها ومتطلباتنا نحن أيضاً، هم جيل نشأ وتربى وترعرع معظمه وربما شريحة كبيرة جداً منه علي مبدأ: “السير بجوار الحائط” ذلك المبدأ الذي لا يعني في قاموس الحياة إلا الخنوع والخضوع سواء للسلطة والدولة أو المجتمع بما يضمه من أطياف مختلفة أو الأفراد كل على حسب درجاته المتفاوتة عند هذا الذي آمن واستأمن بهذا المبدأ والمنطق الغث والذي تكونت منه شخصية أصبحت لا تعرف ولا تعي معنىً للاختيار ولا تدركه، شخصية صارت ترساً في آلة مطلوب منها تنفيذ ما قد يكون موجود في كُتيب التعليمات دون إي تساؤل قد يحرك مياه التفكير الساكنة والآسنة منذ دهر، وبالتالي أصبح عنصر المجازفة أو محاولة الخروج عن النص أو تكسير التابوهات غير وارد على الإطلاق في دوائر وحسابات هذه الشخصية.
لذلك تجدهم – أي تلك الشريحة الكبيرة التي عاشت مسيرة دون تخيير يُذكر – ممتثلين لطاعة كل أمر فرض أو قد يفرض عليهم، وبالتالي أصبح هذا المبدأ المذكور سالفاً بمشتقاته الخارجة من رحمه مسلمات من الكفر العبث بها والتفكير في كسر حلقاتها التي تكبلهم وتقيدهم وبالطبع تكبلنا وتقيدنا نحن الآخرين. فكان طبيعي أن نرى ردود أفعال قد توصف بالدهشة وذهول والغضب والحنق على اختياراتنا المتفاوتة والمختلفة في هذه الحياة والسبب وراء ذلك ببعض من التفتيش البسيط هو: الخوف الصانع الرئيسي والراعي الأساسي لكل ذلك. والذي أكاد أجزم مع وجوده أن الحجر على الحق في الحياة واجب لابد من تنفيذه وتفعيله حتى لا تُصاب حالة السلم المزعومة داخل الأسرة وبالتالي داخل المجتمع بالانهيار والتهدم، وحتى يصير الخوف آمناً مستقراً مطمئناً لا جناح عليه.
الفعل ورد الفعل
كان من الطبيعي بعد كل ذلك أن يضعنا الأهل في خانة واحدة وهي “خانة الطفولة والتصابي“، ولذلك مغزى مهم جداً، ففعل الطفولة والتصابي فعل يندرج تحت بند عدم الأهلية وبالتالي عدم الاستطاعة بل والقدرة على صناعة القرار وبطبيعة الحال الدخول إلى دائرة الاحتياج الدائم والمستلزمة للرعاية والوصاية وهو المراد من ذلك الوضع الغير مرغوب فيه منا على الإطلاق.
لذا نجد دائماً حالة من الصراع داخل كل أسرة مع ذويهم ومعيليهم لأنهم ببساطة شديدة قد وضعونا داخل تلك الخانة سالفة الذكر، وبالتالي فإن مسألة التفكير ومحاولة خوض التجربة فعل لابد من ردعه بكل الوسائل وكافة الأشكال والصور المتاحة ولو استلزم ذلك استخدام العنف ما دام خرج هذا الفعل عن نطاق رد الفعل الجاري إتباعه فسرياً داخل الأسرة والمجتمع.
ردة الفعل هذه نابعة من عدم إدراك وفجوة في التحليل سببها ما ربما عرضناه، هذه الردة غرضها الأساسي الاستمرار في الدوران في تلك الدائرة وعدم الخروج منها وعن قواعدها التي وضعت لتقدس، وكم من المقدسات وضعت في طريق الإنسان باسم السلم والاستقرار على المستوى الأسري والاجتماعي منذ وجوده على الأرض وحتى تلك اللحظة !!
ولعله أمر غريب أن نظل في نظر هؤلاء المتأثرين بذلك صبية لا تعرف أين تكون مصلحتهم؟! وكيف يكون مستقبلهم؟!
صبية لا تعي ولا تريد إلا شيء ولا شيء سوى اللعب، جمود الفكر والتأثر بذلك والخضوع له أوقف حقيقة مهمة ونتيجة وشديدة الواقعية:هي أننا وببساطة شديدة لم نعد هؤلاء الصبية الغير قادرين على فعل أي شيء بل أصبحنا قادرين علي الاختيار والتمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ بل والقدرة على خوض التجارب لصنع القرار.
إلا أننا وفي الوقت نفسه تأثرنا بعض الشيء بما قد زرعوه فينا منذ الصغر وتناسينا أننا قد أخذنا جزء من الخوف والاستسلام معنا فكان ذلك سبباً رئيسياً في وجود الصراع داخلنا بينه وبين ما قد يكون مخالف له مما قد يحسم الأمر بفشل متلازم للبعض في حياته على بعض المستويات إن لم يكن بروحه شيء من المثابرة التي قد تحرك عقله وبالتالي صار البعض منا إن لم يكن معظمنا غير قادرين علي خوض معركة التغير معهم بحجة الرفض القاطع منهم بل وتصلب رأيهم.
لم نخض التجربة ولو على سبيل المثال لمرة واحدة، لم نتشبث باختياراتنا وبحقنا في الإرادة وبالتالي أيضاً لم ندافع عما نختاره ونؤمن به، فكيف لهم بعد ذلك أن يصدقوا فرضية تقول: إن هذه الاختيارات حق أصيل لنا وتحديد المصير شيء لا يخرج عن خصوصيتنا وهو أمر صحيح وصحي جداً !!
لم نثبت لأنفسنا قط وربما نادراً ما قد نفعل أننا صدقاً نريد أن نفعل وأن نختار وأن نصبح ما قد نصبح عليه، بل أصبحنا نسخة معدلة ومطورة منهم بل وحديثة متناسبة مع مفردات العصر الحالي المليء بالخيبة والانكسار.
لسنا مخيرين، هكذا يرى البعض منا نفسه، تناسينا فنسينا أننا فقط من يستطيع صناعة مستقبله بنفسه ولا أحد أخر غيرنا، سقط منا عن علم بحثنا عن آليات صناعة القرار وخوض التجربة والاسترشاد بما هو صحيح ومفيد لنا على المدى الطويل، وقعنا في فخ الرؤية القصيرة المدى والوقتية التي لم ولن تغن أو تسمن من جوع.
في الحقيقة إننا فقط إذا أردنا فسوف نفعل ونصنع ما قد يكون صالح لنا وسنُقدم عليه دون أي اعتبار لأي خوف قد يعيقنا وسنصبح قادرين علي إقناع كل من حولنا به كلما كنا أكثر إيمانا بما قد نريده، فنحن فقط وببساطة من يصنع ذلك – أي الخوف والفزع – ونحن فقط أيضاً من يستطيع أن يزيله ويمحوه إلى الأبد.
لا تكونوا أبداً رد فعل بل كونوا الفعل نفسه وضعوا فزاعاتكم تلك ودعوها حتى نصنع أنفسنا باختياراتنا.