قبل أن يصبح مصطلح ناشط مشهورًا ومنتشرًا لم تكن نظرة المجتمع لنجوم الفن والسينما مثلما هى الآن، إقبال الجمهور على السينما والفنون صاحبه إعجاب طاغٍ بالنجوم، وتأثرّ بالسلب أو الإيجاب بسلوك النجم.
ظهرت أصوات متشددة تشكّك فى سلوكيات النجوم بالحق وبالباطل، خلط الجمهور بسذاجة بين الدور الذى يؤدّيه الممثل وبين شخصيته الحقيقية، فى الماضى لم تكن المحاكم تعتمد على شهادة الممثل لأنه كاذب محترف !!
اختلف الأمر مع نضج المجتمع وأصبح الآن النجوم واجهات ثقافية وأحيانًا سياسية لبلدانهم، ولم يعد دور الفنان الذى يقود وجدان المجتمع الإنسانى مجرد الاستمتاع بالشهرة والمال، بل المساهمة بتأثيره الشخصى فى عديد من مجالات العمل الخيرى التطوعى والنشاط الاجتماعى والسياسى، وأحيانًا لتحسين صورة وطنه.
بعض النجوم مارس أعمال الخير كجزء من التباهى والشهرة، لكن هناك حالات تميزّت بإخلاص للفكرة وتفانٍ من أجلها، تخلىّ بعضهم عن الأناقة والماكياج والرفاهية ليذهب إلى مناطق الكوارث والنزاعات، سواء اختلفت أو اتفقت فى تفسير دوافع موقفه الحقوقى أو السياسى أو الخيرى إلا أن تجربته كناشط يدافع عن فكرة يراها نبيلة تظل جديرة بالتأمل.
الناشط جورج كلونى .. يسقط عمر البشير
وضع النجم جورج كلونى الفريق عمر البشير فى دماغه، ووصل نشاطه المناهض لممارسات الحكومة السودانية الإجرامية فى دارفور أقصى حد، قدّم صورًا مروعة وشهادات شخصية عن ضحايا القصف العشوائى لقوات الحكومة السودانية للكونجرس والرئيس الأمريكى أوباما، وقام بالتظاهر أمام السفارة السودانية، حيث تم القبض عليه عدة ساعات بتهمة مخالفة قانون التظاهر.
أنشأ جماعة تدعى ليس فى أثناء نوبة حراستنا مع مجموعة من زملائه الممثلين، منهم براد بيت ومات ديمون ودون شيدل. الجماعة ركزت على وقف أعمال العنف فى دارفور، وقام كلونى منذ نحو ٨ سنوات بزيارة الصين ومصر، بصحبة الممثل دون شيدل، وطلب من الحكومتين الصينية والمصرية الضغط على الحكومة السودانية، لوقف العنف فى دارفور، كما بعث برسالة مفتوحة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، طلب فيها أن يقوم الاتحاد الأوروبى بالعمل على إجبار الرئيس عمر البشير على الاستجابة لقرارات الأمم المتحدة بخصوص دارفور، وبعد انفصال الجنوب السودانى لم يتوقّف كلونى عن مراقبة نظام البشير، وقام بتمويل مشروع قمر صناعى لمراقبة تحركات القوات السودانية فى مناطق النزاع.
الناشطة أم كلثوم .. من أجل المجهود الحربى
بعد هزيمة ١٩٦٧ كانت أم كلثوم كغيرها من المصريين فى حالة اكتئاب، كان المجتمع فى هذا الزمن العصيب فى حالة تقييم لكل شىء، ولم تسلم أم كلثوم من الاتهام بأنها وأغانيها من أسباب النكسة، قررت الاعتزال قهرًا بعد تصريحات بعض المثقفين تقول إن أغنياتها الطويلة وتباهيها بالثقافة المحلية انفصال عن الواقع ومشكلاته، بل وصل الأمر إلى اتهامهم أغانيها بتخدير الجمهور بدلًا من حث همّته، بعد مكالمة من الرئيس الراحل عبد الناصر عدلت أم كلثوم عن قرارها بالاعتزال وقررت أن تقدّم سلسلة حفلات من أجل مصر، ورصدت الباحثة الأمريكية فرجينيا دانيلسون، فى كتابها عن أم كلثوم، الإقبال الشديد على تلك الحفلات التى كانت تتراوح قيمة التذكرة فيها بين ٣ جنيهات و ١٠٠ جنيه، حيث جمعت فى حفل بدمنهور نحو ٣٨ ألف جنيه، وفى حفل آخر بالإسكندرية جمعت ٦٤ ألف جنيه، بالإضافة إلى ٣٦ ألف جنيه قيمة مشغولات ذهبية تبرعّت بها النساء، غنتّ أم كلثوم فى عديد من العواصم العربية وفى باريس، وبلغ إجمالى ما جمعته حتى وفاتها نحو مليون و ١٠٠ ألف جنيه مصرى تبرعّت بها جميعًا لصالح المجهود الحربى.
الناشطة بريجيت باردو .. من أجل حقوق كل الحيوانات
لم يعد اسم نجمة فرنسا الشهيرة بريجيت باردو، مرتبطًا بأخبار السينما منذ نحو ٤٠ عامًا حينما قررت اعتزال التمثيل والتفرع للدفاع عن الحيوانات، فى عام ١٩٨٦ أنشأت جمعية باسمها للدفاع عن حقوق الحيوانات، باعت مجوهراتها وبعض مقتنياتها الثمينة لجمع مبلغ كافٍ لتمويل جمعيتها، وتوقفت عن أكل اللحوم تمامًا بعد أن قررت أن تكون نباتية، وامتد نشاطها فى مجال الحقوق عن الحيوان إلى خارج فرنسا، فى عام ١٩٩٩ بعثت برسالة إلى الرئيس الصينى يانج زيمن، تتهم فيها الحكومة الصينية بتعذيب الدببة وقتل أنواع نادرة من النمور ووحيد القرن بغرض صنع منشطات جنسية طبيعية، وفى عام ٢٠٠٩ بعثت برسالة إلى الرئيس حسنى مبارك، احتجاجًا على حملة شنتّها الحكومة المصرية للقضاء على قطعان الخنازير التى يقوم بتربيتها فقراء فى مصر خوفًا من إنفلونزا الخنازير، ووصفت فى رسالتها القرار بأنه يعد عملًا جبانًا إلى أقصى حدود.
الناشطة أوبرا وينفرى .. مدارس لفقيرات جوهانسبرج
تتعدّد أنشطة الإعلامية أوبرا وينفرى من الأنشطة الخيرية إلى النشاط السياسى الذى تركز فيه على دعم السود بصورة أساسية، بالإضافة إلى دعمها الكبير لانتخاب أوباما، فقد شاركت فى أنشطة خيرية كثيرة وأسست جمعية أوبرا الخيرية لدعم أنشطة الخير فى جميع أنحاء العالم وقد استطاعت المؤسسة غير الربحية جمع نحو ٨٠ مليون دولار من التبرعات وتكفّلت أوبرا نفسها بتحمّل نفقات المؤسسة، ومن أهم أنشطة مؤسسة أوبرا الخيرية عمليات الإغاثة للمناطق المنكوبة بعد إعصار كاترينا، حيث قامت ببناء عديد من المنازل للمشردين، كما قدّمت الأموال لدعم علاج المصابين بالإيدز فى إفريقيا، ونجحت فى جمع الملايين من أجل هذا الهدف، كما أنشأت أكاديمية أوبرا وينفرى للفتيات فى جنوب جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، وهى مدرسة لتعليم الفتيات، ضمت فى بدايتها ١٥٠طالبة فى ٢٠٠٧ ، ارتفعت لاحقًا إلى ٤٥٠ طالبة، وأشرفت بنفسها على توفير تجهيزات ملائمة للطالبات، وتضم المدرسة فصولًا لتعليم الفنون والكمبيوتر ومعامل علوم ومكتبة ومسرح وفصول لتعليم فنون التجميل والماكياج.
الناشط شون بن .. أمريكانى يتظاهر فى التحرير
يعد شون بن من أكثر نجوم هوليوود اهتمامًا بالنشاط السياسى، وكان له موقف مبكر مناهض لغزو العراق، عبرّ عن رأيه بعد الغزو مباشرة بإعلان مدفوع الأجر على صفحة كاملة فى صحيفة واشنطن بوست، عارض فيه سياسة جورج بوش واتهمه بخرق مبادئ الديمقراطية، وقام فى عام ٢٠٠٢ بزيارة العراق للاحتجاج هناك على الحرب، واستمر اهتمامه السياسى بالشرق الأوسط حيث حضر إلى مصر بدعوة من الفنان خالد النبوى، لزيارة ميدان التحرير، وشارك فى المظاهرات الموجودة يومها.
بالإضافة إلى النشاط السياسى برز نشاط بن فى أعمال الإغاثة الإنسانية، حيث قام بنفسه بالمشاركة فى أعمال الإغاثة فى المناطق المتضررة من إعصار كاترينا، وقام باستئجار قارب كان يتحركّ به فى الأحياء المغمورة بالمياء بحثًا عن ناجين أو مصابين فى مناطق نيو أورليانز، كان ذلك عام ٢٠٠٥ وبعدها بخمس سنوات وبعد زلزال هاييتى أنشأ جمعية إغاثة وفّرت نحو ٥٥ ألف خيمة إيواء، ووجد فى الأماكن المتضررة للمشاركة بنفسه فى أعمال الإنقاذ والإغاثة، وقام الرئيس الهاييتى مايكل مارتلى بمنحه لقب سفير فوق العادة لهاييتى، وهو منصب يُمنح للمرة الأولى فى تاريخ هاييتى لمواطن أجنبى.
الناشط لويس أرمسترونج .. دبلوماسية الجاز على سفح الأهرام
استخدمت الولايات المتحدة فى الستينيات بعض نجومها المشهورين كنشطاء يروّجون للثقافة الأمريكية فى دول وبلدان قد تقع تحت تأثير السيطرة الشيوعية، كان ذلك فى ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتى وأمريكا، وكانت دول مثل مصر تميل فى علاقتها الدبلوماسية إلى روسيا، وقَبِل لويس أرمسترونج عازف الجاز الشهير القيام بجولة للنوايا الحسنة ضمن مشروع جولات لدول فى الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية عُرفت باسم (دبلوماسية الجاز)، وهذه الجولات ضمت أيضًا جودمان بينى ودوك إلينجتون، والتقط لويس أرمسترونج عددًا من اللقطات الشهيرة له يعزف على آلة الترومبيت فى منطقة أهرامات الجيزة بصحبة زوجته، وكان ذلك عام ١٩٦١ ، وقد استفزتّ هذه الجولات الاتحاد السوفييتى الذى أرسل فرق الباليه والموسيقى الكلاسيكية الروسية إلى القاهرة.