ينشر «الموقع» أهم فصول كتاب «أيام الكذب والدم» للكاتب الصحفي تامر أبو عرب الصادر عن دار كيان للنشر والتوزيع.
ويتناول الكتاب بالتوثيق والتحليل الفترة التي تمتد من خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير 2011 وحتى قبل أيام من عزل الرئيس السابق محمد مرسي، حيث يوثق أحداث العنف التي وقعت في هذه الفترة بدءا من فض اعتصام ميدان التحرير في 26 فبراير 2011 حتى أحداث مكتب الإرشاد مرورا باعتصام 8 أبريل وأحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء وأحداث المقطم الأولى والثانية وأحداث محمد محمود الأولى والثانية ومجزرتي بورسعيد الأولى والثانية، وغيرها.
—————————————————–
لماذا يسقط حكم العسكر؟
لماذا تخشون صعود العسكر إلى الحكم؟ سؤال يوجهه قطاع عريض من المصريين أصبحوا يرون فى الحكم العسكرى الحل الأكيد لمشاكل مصر الأمنية، والبديل الأمثل للأحزاب والقوى السياسية التى لا تتفق على رأى واحد، وإن كان هؤلاء يريدون سبباً واحداً يجعلنا نرفض الحكم العسكرى، فإن لدينا عشرات الأسباب نكتفى منها بالآتى:
– إن هؤلاء المطالبين بالحكم العسكرى هم أنفسهم من رضوا بحكم مبارك لعدة عقود، من منطلق أنه لا يوجد بديل، وأنه أفضل من غيره، وأنه شبع خلاص بدل ما ييجى حد يعوز يسرق من الأول وجديد، وهم أنفسهم من تعاطفوا معه بعد الخطاب الثانى، وطالبوا بأن يستكمل مدته، وهم أنفسهم من يسبون الثورة الآن، لأنها حرمتهم من النعيم الذى عاشوا فيه طوال حكم مبارك.
– إن ثورة 25 يناير كانت ضد الحكم العسكرى فى المقام الأول، فمنذ ثورة يوليو 1952 تعاقب على مصر أربعة رؤساء من المؤسسة العسكرية، وفى ظل حكمهم انحدرت مصر من سيئ إلى أسوأ فى السياسة والاقتصاد، ولم يتمكن أى منهم من قيادة تجربة مشجعة تعطى للمصريين مبررا للمطالبة بفرصة أخرى للعسكر.
– إن العسكر يحكمون بنفس منطق الحكم الدينى فإن كان الحاكم الدينى يعتبر كل مخالف له كافرا، فالحاكم العسكرى يرى كل معارض له خائناً، وهذا الأمر له ما يبرره، إذ إن عقلية العسكر مبنية على السمع والطاعة، والأوامر عندهم لا تحتمل المناقشة، والسجن الخيار الأول للتأديب، وهذه العقلية إن كانت مناسبة ومطلوبة للحياة العسكرية، فهى ممقوتة وقاتلة عندما تكون عقيدة للحكم.
– إن الجيش يجب أن يكون محايدا على الدوام، ولا نضطره للمفاضلة بين ولاءين، ولاءه للشعب، وولاءه لقائده، ولا ننسى أن هذه كانت أهم مشكلة للمجلس العسكرى أثناء الثورة، فظل طوال الوقت يبحث عن حل للمعادلة الصعبة، بحيث يستجيب لإرادة الشعب دون الإساءة لأحد رموزه، وهو وضع كان ينبغى أن نستفيد به فنسعى بكل قوة لمنع تكراره.
– إن الفكر الأمنى يسيطر على أبناء المؤسسة العسكرية، فيحكمون على كل الأمور بميزان واحد، ويحاولون السيطرة على كل الأماكن التى قد يخرج منها تهديد للأمن – من وجهة نظرهم بالطبع وسواء كان هذه التهديد لأمن الوطن أو لأمنهم شخصيا – ومن هنا جاءت محاولات السيطرة على النقابات والجامعات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى طوال الستين عاما الماضية، والعجيب أن تكريس كل إمكانات الوطن لخدمة الأمن لم يمنع تعرض عبد الناصر لأكثر من محاولة اغتيال، ولم يمنع قتل السادات فى حادث المنصة، ولم يمنع خلع مبارك بثورة شعبية.
– إن التجارب المحيطة لم تسجل تجربة واحدة ناجحة للحكم العسكرى، ففى الأسفل السودان تم تقسيمه بعد انقلاب العسكر على الثورة الشعبية بمساعدة “الإخوان المسلمين فرع الخرطوم”، وإلى اليسار “العقيد” معمر القذافى دمر ليبيا وقتل الآلاف من أبناء شعبه، وحتى على المستوى العالمى لا تجد دولة واحدة متقدمة يحكمها جنرال.
– إن ضباط الجيش وقياداته منفصلون تماما عن الواقع المصرى – لاحظ أنها نفس التهمة التى يقصون بها البرادعى مثلا – ففى الفترة الماضية لم يدخل الجيش إلا شريحة معينة من ذوى القدرة المالية العالية، فضلا عما تفرضه الحياة العسكرية نفسها من انفصال عن الواقع واقتصار الحياة بين الكتيبة والمنزل، نحن نعلم أنهم يفعلون ذلك لأجلنا، لكننا نعلم أيضا أنه ينتقص من مؤهلات أى راغب فى الحكم.
– إن المجلس العسكرى وعد منذ خلع مبارك بتسليم الحكم لسلطة مدنية فى أقرب وقت، ونحن نربأ بقياداته أن يكونوا ممن “إذا وعد أخلف”، ولأن شرف العسكرى فى كلمته، وكلمة العسكرى ميثاق، وميثاق العسكرى لا يحله إلا الموت.
– إن الثورة قامت لمنع التوريث، وأنا لا أرى فرقا بين توريث الحكم من الأب إلى ابنه، وتوريثه من فريق إلى مشير.
– إن مصر لم تخض حرباً منذ 38 عاما، وعليه فإن الغالبية الساحقة لأعضاء المجلس العسكرى لا يحمل تاريخهم بطولات فى مواجهة أعداء الوطن تمنحهم الشرعية الشعبية، كما أنك لا تشعر أن من بينهم قائدا يتمتع بكاريزما خاصة تؤهله لقيادة تجربة فريدة تنقل مصر إلى مستقبل أفضل.
– أتفق مع القائلين بأن القوى الموجودة لا تصلح لقيادة المرحلة القادمة، لكننى متأكد أيضا أن قيادات العسكر غير مؤهله للقيام بهذا الدور، فإن كانت الكفتان متساويتين، فلنجنح إلى الكفة المدنية، لأنها قابلة للتعديل والمراجعة والتقويم والإقالة، لكن الكفة العسكرية يراها أصحابها ناجحة وتستحق الاستمرار حتى ولو رأى الشعب كله عكس ذلك.
هذه أسبابى لرفض الحكم العسكرى، فما أسبابكم لقبوله؟
1- الخطايا العشر لثورة يناير
نعم لثورة يناير أخطاء، ارتكبها الثوار بحسن نية ويدفعوا ثمنها حاليا، وهى أخطاء طبيعية لثورة تفتقد القائد والملهم، ويوجه سفينتها عدة ملايين ريس، المهم أن نضع أيدينا عليها ونسعى لتجاوزها حتى نحمى أعظم حدث فى تاريخ مصر الحديث من الضياع والتشويه.
– أخطأت ثورة يناير عندما ارتضت للرئيس المخلوع محاكمة طبيعية، ونسينا أن المتهمين هم من وضعوا القوانين التى نحاكمهم بها حاليا، وتناسينا أن عددا كبيرا من تجار المخدرات حصلوا على البراءة لخطأ فى الإجراءات أو عيب فى أمر الضبط، وأن عددا كبيرا من أحكام الإدانة صدرت بتوصية من القصر باعتراف القضاة أنفسهم.
– أخطأت ثورة يناير عندما قبلت بأن يتولى المجلس العسكرى حكم البلاد، فنحن وإن كنا لا نشكك فى نزاهة أعضائه، نعرف أن إدارة دولة تختلف تماما عن إدارة جيش، ونعرف أيضا أن مصر كانت تحتاج لقيادة تضعها على طريق الحكم الرشيد، لا تعيد إنتاج النظام البائد.
– أخطأت ثورة يناير عندما بايعت الدكتور عصام شرف أول رئيس للوزراء بعد سقوط مبارك، لتبدأ مصر عهدها الجديد برجل تولى الحقيبة الوزارية فى زمن كانت شهادة حسن السير والسلوك الصادرة من أمن الدولة الورقة الأولى فى مسوغات التعيين، وحمل عضوية لجنة سياسات جمال مبارك حتى قيام الثورة، وكأن الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع لإسقاط النظام الفاسد يعترفون بأنه لا يوجد بينهم من هو أهل للقيادة.
– أخطأت ثورة يناير عندما هتفت “الشعب يريد إسقاط النظام” ثم عاد الثوار إلى منازلهم قريرى العين بعد خلع مبارك، رغم أن إسقاط النظام فى علمى أنها يعنى إسقاط الحكومة ومعارضتها معا، لأن الأحزاب السياسية قبل الثورة كانت مقسمة إلى ثلاثة أقسام “عميلة، ومنتفعة، وجبانة” الأولى صنعها أمن الدولة وحركها بأطراف أصابعه، والثانية تضخمت ثروات أصحابها وتربحوا من معارضتهم، والثالثة نظيفة اليد لكنها مقطوعة اللسان، ولم تكن مستعدة لدفع ضريبة المعارضة، والأنواع الثلاثة لا يمكن أن تجلس قياداتها الآن على مائدة واحدة لاقتسام مقاعد البرلمان، والحديث عن مستقبل البلاد التى اسود ماضيها بهم.
– أخطأت ثورة يناير عندما أغمضت عينيها عن بعض الانتهاكات التى ارتكبتها الشرطة والقوات المسلحة مع مواطنين داخل الأقسام وخارجها، محاولة إقناع نفسها بأنهم بلطجية، ويستحقون ما حدث لهم، رغم أن ثورتنا قامت لإقرار مبدأ سيادة القانون على المذنب قبل البرىء، لكن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه وسنسمح مجددا بأكل الثور الأبيض.
– أخطأت ثورة يناير عندما خرج شبابها مئات المرات ليؤكدوا أن البرادعى وموسى ونور وصباحى والعوا وأبو الفتوح لا يمثلون الثورة، وسمحوا فى الوقت نفسه لعدد من الأدعياء بالظهور ليل نهار على الفضائيات للتنظير والحديث بصيغة نحن نقبل ونحن نرفض وكأنهم الثورة نفسها.
– أخطأت ثورة يناير عندما حدث الثوار الناس بمصطلحات فوقية عن الليبرالية والدولة المدنية وتركوا لغيرهم مسئولية تعريفها حتى صارت مصطلحات سيئة السمعة، ومرادفة للكفر والتحرر غير المسئول.
– أخطأت ثورة يناير عندما انشغلت بالسياسة فقط، ولم يقدم الثوار حلولهم للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وهو ما جعل قطاعا عريضا من المصريين لم ير من الثورة إلا أسوأ ما فيها.
– أخطأت ثورة يناير عندما سمحت للمتحولين بالانضمام إليها وارتداء ثوب ومن بينهم رجال كل العصور الذين حطوا على كل نظام حكم مصر كالجراد، نهشوه حتى امتلأت كروشهم ثم غادروه إلى غيره عندما تحول إلى أرض بور، وهؤلاء أكبر خطر على الثورة، لأنهم يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم.
– أخطأت ثورة يناير عندما نسيت أن تقيم النصب التذكارى للشهداء فى قلب ميدان التحرير، حيث تفرق دمه بين شباب الثورة والمجلس العسكرى والحكومة، فتعاركوا على إقامته ثم تجاهله الجميع، لننسى أشرف ناس فى مصر قبل حتى أن تحل الذكرى الأولى لاستشهادهم.
هل نفيق سريعا ونحاول تصحيح أخطائنا، أم أن الأوان قد فات؟
2- مبروك للإخوان.. أما بعد
لو أراد حسنى مبارك أن يبحث فى الدين ليخرج بتبريرات لكل ما ارتكبه من جرائم لفعل، ولتحول إلى رئيس يحكم بشعب الله ولتحولنا نحن إلى رهط من الخوارج!.
سيعتبر قتل المتظاهرين درءا للفتنة، ويسمى إفقار المصريين اقتداء بسنة النبى الكريم الذى كان يضع على بطنه حجرين من الجوع، ويحاجج الإخوان الذين ملئوا شوارع مصر يوم جمعة الغضب، وما بعدها بحديث صحيح رواه البخارى ومسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم: “يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهداى ولا يستنون بسنتى وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين فى جثمان إنس، قال حذيفة: قلت: كيف أصنع يا رسول الله؟ إن أدركت ذلك؟، قال: تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع”، بل ويواجه الداعين إلى إلغاء اتفاقية كامب ديفيد بحديث الرسول عليه السلام: “مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلاَ يَشُدُّ عُقْدَةً، وَلا يَحُلُّهَا، حَتَّى يَنْقَضِى أَمَدُهَا، أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء”.
ما أقوله للإخوان بعد أن أبارك فوزهم بالأغلبية فى برلمان الثورة، إن التبرير بالدين أسهل كثيرا من إقامته، وللأسف سيطر النوع الأول على غالبية فترات التاريخ الإسلامى، فوجدنا حكاما كثيرين يستخدمون الدين لتبرير أفعالهم، لا لإقامة دولتهم بروحه وتعاليمه.
مبدئيا فوز الإخوان طبيعى ومنطقى باعتبار أن الجماعة كانت تحل ثانية فى ظل النظام السابق بكل تزويره وتضييقه وبجاحته، فليس مستغربا أن يتصدروا المشهد بعد زوال دولة مبارك، فقط أريد أن أضع عدة نقاط أمام صناع القرار فى الجماعة، وأتمنى أن ينظروا إليها على أنها نصائح صادقة راغبة فى مصلحة الوطن، بدلا من نظرات التشكيك التى يصوبها الإخوان لكل ناصح:
– إنه الوقت الأسوأ الذى يمكن أن يحصل فيه أى فصيل سياسى على الأغلبية، الجميع ينتظر ما ستفعله الجماعة التى عملت فى الخفاء والعلن طوال 80 عاما من أجل الوصول إلى هذه اللحظة، قطاع عريض لم يختاروا الجماعة وحزبها سينتظرون أى سقطة، قطاع أعرض اختار الحرية والعدالة بمنطق “نجرب” سينتظرون نتائج التجربة سريعة من خلال تحسن فورى وطفرة عاجلة فى أحوال البلد بوجود الإخوان فى البرلمان، وفشلهم فى ذلك قد يعنى خروجهم من المشهد السياسى فى أول انتخابات قادمة.
– كثير من المصريين اختاروا الدين فعلا عندما كانوا يضعون علامة أمام رمز الميزان، لكن غالبية هؤلاء يريدون من الدين حقوقهم قبل التزاماته، صاحب المقهى مثلا يريد من الدين أن يمنع الإخوان الرشوة ليرتاح من تنطع موظفى الحى، ويمنعوا الاستغلال لتنخفض أسعار الشاى والسكر، لكنه قد ينسى كل ذلك إذا جاء من يطالبه بمنع الشيشة أو عدم تشغيل قنوات الأغانى.
– الإخوان أكثر من تضرر بالأغلبية الميكانيكية للحزب الوطنى فى البرلمان، لذلك لن يتحمل المصريون وقوف محمد البلتاجى ليرفع يده على طريقة عز فيرفع نواب الإخوان بالكامل أيديهم، ولن يجدى وقتها إرجاع ذلك إلى حسن تنظيم الجماعة، لأنهم أول من أنكروا على الحزب الوطنى ذلك.
– سقط النظام السابق بكل تنظيمه وقدرته على الحشد– وهى ميزة الإخوان نفسها– لأنه أراد أن يحكم البلاد وحده، ومصر أكبر من أن يسيطر عليها فصيل واحد أيا كانت إمكانياته، وإن كانت الجماعة تؤكد أن لديها من الخبرات والكفاءات ما يمكنها من ذلك، فأؤكد لها بدورى أن الحزب الوطنى كان يضم بين أعضائه أيضا أكبر الأطباء والمهندسين والعلماء، وأشهر الأكاديميين وأساتذة الجامعات وبقوا فيه حتى رحل غير مأسوف عليه، والحل أن تبقى مصر مشروعا كبيرا بين شركاء، لا مجموعة أكشاك.
– أطالب الإخوان بالعودة لاحتضان ثوار التحرير بعد الفجوة الكبيرة التى خلفتها أحداث محمد محمود، فهؤلاء أصدق وأنبل شباب مصر، وهم الذين اعتصموا فى الميدان وفتحوا صدورهم للنيران حتى أسقطوا مبارك ونظامه ومهدوا للإخوان طريق البرلمان بأجسادهم ودمائهم، فليس من أخلاق الفرسان أن تتعالى عليهم الجماعة الآن بعدما دانت لهم الأغلبية بفضل تضحياتهم.
مبروك فعلا وصدقا للإخوان، ولن أغمس رأسى فى الرمال فأتهمهم مثلا بالدعاية داخل اللجان، ومخالفة القواعد الانتخابية، أو أتهمهم بالتخاذل عن نصرة الميدان عندما احتاجهم، لأن هذا يدخل فى إطار الإصرار على التعالى على الغير والتعامى عن الواقع، فأى كتلة من المتنافسين لو وجدت أعدادا من المؤيدين والأنصار تنشرها أمام اللجان لشحذ الناخبين لفعلت، ولو أن المعتصمين فى الميدان نجحوا فى إقناع قطاع عريض من المصريين بقضيتهم ما احتاجوا الإخوان ليملئوا الميدان.
3- 30 يونيو.. أنا مثلك تماما لكنني سأنزل
أنا مثلك تمامًا. عندي أسباب كثيرة تمنعني من النزول يوم 30 يونيو. لكن أسبابي للنزول أقوى.
أنا مثلك تمامًا. لا أتصور أنني سأقف أمام قصر الاتحادية منددًا بالإخوان ومرسيهم، وعن يميني من يحن إلى أيام مبارك، وعن شمالي من يتمنى لو يحكمنا العسكر.. لكنني سأنزل
أنا مثلك تمامًا. عندي أسرة تنتظر عودتي كل مساء. أحب الحياة وأخشى الموت ولا أستبعد أن تصيبني رصاصة طائشة أو حجر طائر، إذا قرر الجالس في المقطم تنفيذ سيناريو الدماء.. لكنني سأنزل.
أنا مثلك تمامًا. ليست لدي عقدة من أن يحكمنا رجل ملتحٍ، ولست مولعًا بالتجربة العلمانية، ولا أنتظر رحيل الإسلاميين لأتمكن من إخراج رغباتي المكبوتة.. لكنني سأنزل.
أنا مثلك تمامًا. أخشى أن نقع مجددًا بين ثنائية العسكر والفلول، ولست واثقًا من أنه لو أجريت انتخابات جديدة سيصعد مرشح ثوري إلى كرسي الحكم، وأخاف من تبعات إسقاط مرسي.. لكنني سأنزل.
هذه كلها أسباب وجيهة لا تجعلني متحمسًا للنزول يوم 30 يونيو، لكنني سأنزل، لأن سببًا أكثر وجاهة يدفعني لذلك، هو أنه لم يعد هناك بديل.
لو أن الخروج على الحاكم حرامٌ فظني أن الله لن يُحاسبنا إن خرجنا على مرسي لأننا مُكرهون.
لم يستفد من حكم الإخوان إلا الإخوان، فلا الباحث عن العيش وجده، ولا الطامح في الديمقراطية شعر بها، ولا الطامع في الرفاهية تحققت له، ولا طالب الستر نجح في الوصول إليه، ولا المتطلع إلى العدالة الاجتماعية وجد ما يُرضيه، ولا الراغب في تموين سيارته وصل إلى نهاية الطابور.
لم تستوعب الجماعة درس مبارك فورثت عنه عجرفته وعناده، ويكفي أنه على مدار عام كامل لم يستجب رئيسها لمطلب واحد رفعته المعارضة. كان وفيًا لمن رشحه وأدار ظهره لمن أنجحه. استقوى بجماعته على شعبه بدلا من أن يستقوي بشعبه على الجميع. والنتيجة رئيس وجماعة في الطريق إلى الديكتاتورية الكاملة.
بيننا وبينه عقد انتخابي تم فسخه بعد إخلال أحد الطرفين بشروط التعاقد.
قال سيحل 5 مشكلات في 100 يوم ففشل في حلها خلال عام كامل، بل وزاد عليها مشاكل أخرى.
وعد بتعيين نواب له من الأقباط والنساء فلم يعين سوى نائب واحد، ثم أصدرت جماعته دستورًا يحظر تعيين نواب للرئيس من الأساس.
وعد بتحرير المصريين فمزّقهم شيعًا، ووعد باستشارة الجميع فكان الجميع في قاموسه مرادفًا لمكتب الإرشاد، ووعد بأن يكون رئيسًا لكل المصريين فأصبح رئيسًا لجماعته وعشيرته.
طلبت منا أن نمنحك فرصة وفشلت. اليوم نطلب نحن منك أن تمنحنا فرصة لنثبت أن الثورات تَحكم ولا تُحكم.
لم يعد لديّ شك في أن الإخوان في طريقهم ليصبحوا نظام مبارك جديدًا، لذلك فهدم ديكتاتورية ناشئة أسهل كثيرًا من تركها تنمو وتتجذر.
نخشى من أن نستبدل ديكتاتورية وفشل الإخوان بديكتاتورية وفشل العسكر أو الفلول؟
فلنناضل ضد الإخوان، ثم نناضل لمنع عودة العسكر والفلول، وإن عادا نناضل حتى نسقطهما، وما الثورة إلا نضال من وراء نضال حتى لا يكون للفاسدين والكاذبين علينا سبيلًا.
خطاب مرسي الأخير يثبت أنه لا أمل في الإخوان. الرجل استمر على «المسرح» لأكثر من ساعتين ونصف. اتهم الناس بلا دليل. «لقّح» على خصومه دون احترام لجلال منصبه. هدد بأن صبره قارب على النفاذ ولوّح بورقة المحاكمات العسكرية.
حاول أن يأمن جانب الجيش والشرطة بالتزلف تارة وبالتذكير بأنه الرئيس الأعلى لكليهما تارة أخرى. حاول إرهاب الإعلام والمعارضة، كل هذا ليتجاوز أزمة 30 يونيو بسلام، لكنني على ثقة بأن مرسي نفسه لو سمع هذا الخطاب مرة أخرى سينزل معنا ليتظاهر ضده!.
أعجبتهم كثرتهم وهي لن تغني عنهم شيئًا. وأنت من ستقرر هل سنخرج من الحارة المزنوقة إلى فضاء أرحب أم أننا سنبقى فيها إلى مالا نهاية.